الشطر الثاني والعشرين من الفصل : الشيطان موجود في التفاصيل للرواية أراضي الله

لايف ستايل - 23-03-2024

الشطر الثاني والعشرين من الفصل : الشيطان موجود في التفاصيل للرواية أراضي الله

اقتصادكم

 

طرح الأسئلة حول الشخصيات المقدسة والرموز الكبرى كان ولا زال بمثابة المعصية الكبرى بالمدرسة. ابتلع وتجرع كل ما يقدم لك عن كل شيء، دون طرح الأسئلة. وإلا، سيتم استبعادك من المجموعة، على هامش المجتمع. إذ يعتبر الفضول مرادفا لقلة الاحترام. خلال أكثر من عشرين عاما من الدراسة، ناضلت من أجل المطالبة بحقي في التعبير.

 مع الهوس الذي يسكنني، تتلاعب بي أفكار بشكل سيء. لم يكن مسموحا بالكلام. الإنصات فحسب. الجملة هي تراكمات عشرين سنة من القمع الذي بلغ درجة عالية من النفور، حين كنت في السادسة عشر من العمر، حكيت قصة كنت قرأتها في كتاب عن البوذية، مرغما إياي على الصمت، عرضت على الأستاذ حكاية منقحة تقطر بالحكمة والنور. كان منبهرا بنظافة الأمكنة وعبق الزهر في سدول الليل. أمام كل بيت حارسين يمسكان دورية الحراسة، يتحدثان بصوت خفيض كي لا يزعجا أصحاب البيت. يقف أمام الفيلا رقم 7و يضغط على الجرس، شخص أسود البشرة يسأله بلهجة صحراوية ماذا يريد وهو يرمقه بنظرة جافة. 

يجيبه السي محمد بأنه أتى لرؤية سلمى وبأنها تنتظره. يولي الرجل الأدبار. يغلق البوابة الثقيلة ويغادر. يحدث السي محمد نفسه بأن حتى الحراس هنا يعتبرون أنفسهم من الطبقة الراقية. يبتسم وهو يقترب من زهرة الكركديه، يشمها بملء رئتيه. يسمع صوت خطوات خلف الباب، تفتح له سلمى، وهي تطبع قبلة على شفته، وتمسك بيده، يدخل وهو يعبر حديقة كبيرة كملعب لكرة القدم." ولكن يجدر بك تأجير هذا الفضاء لنا لأجل مباريات كرة القدم، سلمى، تعلمين هناك عائدات مادية كثيرة. " تبتسم سلمى ولا تجيب. بعد دقائق من المشي، يلج سي محمد إلى بهو كبير مزين بلوحات كبيرة على الحائط. ينشغل بالإمضاءات دون أن يتعرف على إحداها، يعبر صالونا كبيرا مزينا على الطريقة الأوروبية بأرائك كبيرة وموائد من الخشب المتين في كل ركن. في الزاوية على اليسار، كرسي وخزانة وضعت عليها مجموعة من الصور العائلية. 

سي محمد يلقي بنظرة متفحصة، يتعرف على وجوه عديدة سبق له رؤيتها على التلفزيون بصحبة رجل من المفترض أن يكون والد سلمى. بعد لحظة، تنعطف سلمى إلى جهة اليمين وهي تشير إلى الدرج الرائع الذي يؤدي إلى الطابق العلوي، حيث تفتح باب غرفتها وتستضيف سي محمد. يتطلع هذا الأخير إلى غرفة من عشرة أمتار مربعة، سرير كبير على الأرض، وسائد بألوان مختلفة، وكتب في كل مكان. على اليمين طاولة وضع عليها مشغّل بلون أسود للأقراص المدمجة، وخطب ذات طابع أخلاقي، لم يكن لدي برأسي سوى فكرة واحدة، أن ألعب بالكرة. ما كانت تحدثني به نفسي كان بسيطا: إذا كنت قد نجحت في إيجاد الثغرة، فإن ذلك يعني أن الجميع يستطيع ذلك، هذه القناعة تؤلمني. شيء لا يحتمل كيف أن أكبر المعتقدات تهتز في نظر المرء. ممكن، معناه لا مقدس. هذا ما استنتجته وأنا طفل. لم أكن أعرف بعد أن المقدس ليس كذلك إلا لأنه يندرج ضمن قائمة الممكن. وأن المستحيل ليس سوى نزهة للعقل بمواجهة الفراغ الذي يكتنف بعض الحقائق.

  لنعد إلى حقي من الكرتونة، كان ذلك وسيلتي لأظهر لأمي بأني قادر على تحمل مسؤولية نفسي وحدي، مثل شخص راشد، لأنه كان على أمي أن تعرف ذلك، خصوصا وأنني كنت أرى في عينيها نوعا من الشك في قدرتي على تدبر أمر نفسي داخل هذا الدغل. كانت أمي تتأثر كثيرا بتضحياتنا الطفولية المجنونة ونحن نواجه عجلة الاقدار. بمعنى أننا سمعنا الكثير من الكلام عن الحياة المسعورة التي نواجهها، حتى ونحن أطفال، كان ذلك بمثابة الشرف ان نتصدى للبؤس وسوء الحظ. لم يكن الفقر سوى كلمة لا معنى لها ونحن كنا بعيدين كل البعد عن معرفة المعنى الحقيقي لكلمة حرمان. ما كان يؤثر بنا كثيرا هو وجه الأم، عندما تكون سعيدة ومرحة ومبتسمة، تكون الحياة جنة، وعندما تمرض وتنهكها الأعباء وينفطر قلبها، سرعان ما يتقمص الجحيم ملامح الحظ السيء، لم أكن لأفهم لماذا كانت أمي تبدو منكسرة ومهمومة. كنت أفكر بالوجه التعيس الذي يمكن أن يعكسه الله في نفس تلك اللحظة. لم يبق لدي من خلال هذه التخيلات الطويلة العابرة عن الوجوه الإلهية المختلفة غير طلاسم بأشكال لا تنتهي للتعابير الإلهية الممكنة. في حقيقة الأمر، ليس لدى الله وجه، كانت جوفاء تلك الواجهة الممتدة من الرأس إلى الكتفين. مكانها كنت أرى حركة مثل صهارة غائرة لا لون لها، لكنها تنبلج مثل بصمة انمحت، لكنها بدرجات تسمح برؤية بعض التفاصيل الدقيقة دون أن نؤثر على مجمل الصورة التي من الممكن أن اتخيلها عن وجه الله. 

بقدر ما قضيت فترة من طفولتي في البحث عن هذا الوجه، انتهيت إلى حل بملئه بملامح كل أولئك الذين أحبهم، بالنهاية كنت أرى الله في عيون أمي، في كتفي أخي، في تلك النظرة المطمئنة لأختي، وخاصة مشية والدي وهو يولي الأدبار. من حين لآخر أضيف أليه بعض التفاصيل المهمة، مثل أنف يونس، ساقي حسن المقوستين، كونه أفضل هداف في الحي، وخاصة خفة ظله، حيث كان الجميع ينادونه خويا والذي كان أروع بائع متجول، لم تحمل هذه القطعة من الأرض حيث كنا نعيش، مثيلا له.