الشطر الثلاثين من الفصل : الشيطان موجود في التفاصيل للرواية أراضي الله

لايف ستايل - 31-03-2024

الشطر الثلاثين من الفصل : الشيطان موجود في التفاصيل للرواية أراضي الله

اقتصادكم

 

كذلك سينما الحي أو الكرتون، تشبه إلى حد ما كل ذلك. بكرتونتي، أشرطتي ونصف الشمعة التي استعملها في الإنارة، كنت فتى العرض المحلي، الولد الممسوس الذي سينتهي حتما بشكل سيء. هذا ما كان يقال عني في كل مكان:" هذا سينتهي به الأمر سكيرا يجر قدميه في الأزقة المظلمة للحي. 

إنه يسير على الهاوية، الغبي المسكينᴉ لا مهرب له من ذلك" لا أعرف ما الذي يظهر على سلوكي يجعلهم يقولون بأني غبي مسكين. الجميع كانوا كذلك، ولكن لا أحد يهتم، بالنسبة لي الجنون هو درجة عالية من التنوير، انفجار ينطلق نحو عوالم حيث ضمير العالم لا معنى له. أن تكون مجنونا يعني أن تنفصل كليا عن العالم. كنت بعيد كل البعد عن هكذا قوة، لأني سعيت بكل الوسائل نحو ترسيخ وجودي أكثر في هذا الواقع، بامتصاص نخاعه المنيع، ما كان الأكثر مرارة من كل شيء، كان له أن يمنحني طعم الرحيق القدسي. يرعبني الجنون، والمجانين لديهم بأعينهم نوع من الغياب الغريب، كما لو كانوا يرون عالما موازيا والذي لم يكن يخصني. 

وددت دائما ملاحقة موكب الصور هذا الذي يعرض داخل نظراتهم، وقريبا من منزلنا، كان لي أن أختار بين عدة أنواع من الجنون، ذلك النوع الهادئ الذي يجعل الأشخاص يمشون برؤوس محنية وهم يعقدون أيديهم خلف ظهورهم كما ليعترفوا بالتخلي عن جزء من الحياة التي منحت لهم. هؤلاء لا يكلمون أحدا أبدا، يحبون العزلة والهدوء. أما الآخرون الذين كانوا أكثر صخبا، كانوا يبدون حالات من الغضب المستمر، يصرخون ويلعنون المارة، يتبولون ويتبرزون أمام المنازل ويسعون إلى الاحتكاك بالجميع. دائما مع ذلك الغياب بنظراتهم. كانوا يقولون كلمات غير مفهومة كما لو كان ترتيب أفكارهم يملى عليهم من كوكبة الصور التي تعرض أمام نظراتهم الغائبة. 

لم يكن لدى جلهم شيئا من النبوءة أو القدسية، على الرغم من غضبهم وحنقهم، كنت أرغب في أن يهدؤوا للحظة، لأمعن النظر في عيونهم، لأعرف من أين يأتي شريط الصور المشوش الذي يعرض صورا، لا أستطيع عرضها بواسطة شاشة الكرتونة تلك. لهذا حاولت الاقتراب من بعضهم، حتى أنني توددت إليه بأن عرضت عليه شطيرتي من الخبز والسكر. لكنهم أمام المعاملة اللطيفة، يغرقون في الصمت فجأة وتصبح عيونهم مبهمة.

 لا صور، لا غياب، مجرد ثقب أسود، تجويف لا حياة فيه. اللطف كان له تأثير منوم على هؤلاء الناس. الكلمات الودودة لطفل يحمل شطيرة خبز بالسكر، كان لها وزن أكثر من كل الحقن التي تحقن في جناح المرضى المجانين. محاولاتي لفك هذا اللغز باءت بالفشل. بالرغم من ذلك لم أفقد الأمل في العثور داخل عيون أحد هؤلاء الألمعيين على شرارة المعرفة. لكن المحيط الذي نعيش فيه يجعلنا نعتقد بأن كل الفلتات الخارجة عن الزمن مثلنا، مثل الآخرين، سببها أفعال بعض النساء المرضية والانتقامية. 

نفس القصص عن زوجات تعرضن للخيانة سحرن لأزواجهن. تخمينات بسيطة لوضع تبريرات لائقة ومفهومة عما لم يكن مفهوما البتة. حيث ان التأثير الناتج يتجاوز المعقول. ما هو السر الذي يختفي خلف هروب كل هؤلاء الرجال الذين يصرخون في الأزقة ويريدون أن يلتحق الأموات بأصواتهم بمواكب الرفض؟ لماذا كان الليل ملاذهم الوحيد؟ .

يتبع...