الشطر الخامس من الفصل "يـوم الرب" لرواية أراضي الله

لايف ستايل - 08-04-2024

الشطر الخامس من الفصل "يـوم الرب" لرواية أراضي الله

اقتصادكم

 


حسن كان يسكن معنا مند أن هجر والديه، والده لم يسأل عنه أبدا. كنت قد صادفته لمرات عديدة أمام المسجد يأكل الليمون، لكنه لم يكن يسألني عن ابنه وهو يعرف أنه عندنا. كنا ننام بالمخبأ الصغير الذي كنا نستخدمه كمطبخ. كانت أمي لطيفة جدا لقبولها بأن يظل صديقي معنا لبعض الوقت. 

كانت تقول بأن والده أحمق ليضربه هكذا. ظننتني أهلوس يوم سمعتها تقول لحسن أنه لا ينبغي إساءة معاملة الأبناء، أن ذلك ذنب كبير عند اللهᴉ كانت أمي تحكي ادعاءاتها أمامنا جميعا دون أن يطرف لها جفن، تحدق بنا كما لو كان تحديا وهي تكرر أن ما فعله والد حسن كان مخجلاᴉ لم أقل شيئا، لكني بالكاد استطعت ابتلاع خبزي بزيت الزيتون. لم يكن مهضوما. 

عدم ارتياح كبير جعل حسن يأخذني من يدي قائلا بأن علي مرافقته إلى منزل أحد الأصدقاء الذي يبدو أنه وجد لنا عملا خلال العطلة. بالخارج، كان حسن يراقبني مطولا وبعد ربع ساعة، أخذني من يدي مرة ثانية وهو يقول:" لا تفهمني بشكل سيء، ولكن أمك باستثناء كونها امرأة هي نسخة طبق الأصل عن والدي" لماذا سأخطئ بفهمك؟ لا سبب يحملني على ذلك أو بالأحرى كنت أعرف ذلك، ومنذ الصغر بأني يوما ما سأدفع الثمن غاليا عن الضرب العنيف والمتكرر وبدون أسباب في فترة طفولتي. سيأتي يوم يعاد فيه تمثيل دراما الطفل الذي كنته أمامي، لكن هذه المرة لن يكون بإمكاني مداراة الأمر أو التظاهر بأن ذلك ليس سيئا جدا. ولتلطيف الأجواء حكيت لحسن عن تلك الليلة التي باغتتني فيها أمي على الساعة الثالثة فجرا، بعصاها السحرية التي الهبت جلدي في الظلمة. كان الليل يشبه كابوسا طويلا يكبر كلما قاومت لتجنب الضرب. 

كنت أقول في نفسي أنني  مرة أخرى ارتكبت حماقة كبيرة لكني كنت أتوسل إلى أمي أن تتوقف لأني لم أعد أتحمل. كنت أتألم لدرجة أنني حلفت باسم كل الصالحين والأولياء والآلهة والأشخاص المسنين، أني لن أعيدها مرة أخرى، غير أني لا أعرف ماهي فعلتي لأستحق هذا العقاب الليلي. والعصي التي كانت تنهال تحت التدخلات الغير متناسقة للجيران والتي تهيب بأمي بأن تتوقف لأنه من الممكن أن تنهي حياتي، يبدو الأمر مثل الإعادة الكاملة لفصل كبير من مسرحية قبل الجزء الأخير، حيث علي أن أسلم الروح دون سابق إنذار. بعد ربع ساعة كنت متأكدا من الهلاك، لا بد وأن يكون الغلط الذي ارتكبته شنيعا وإلا ما كانت أمي لهذه الدرجة ترفض تركي. لساعة تقريبا ودون توقف عن الضرب والصفع وشد الشعر، وأنا لا أعرف ماذا يجب علي قوله. لماذا لا أعترف؟ لكن بماذا؟ وماذا لو لم يكن ذلك ما يجب قوله؟ كل هذه الأسئلة التي تتزاحم في مخيلتي والضرب المميت ينهال علي. انقطع نفسي، كان يجب أن أسقط متخشبا، متظاهرا بنوبة صرع لكي تتوقف أمي عن الضرب. كنت مستلقيا على الأرض، الوجه مغمور بالدمع والدم، الجسد ملتهب محموم والأطراف مكسرة. بدعوى إصابتي بخفقان القلب وأزمة ربو، هذا الخليط من عدة أمراض خطيرة هو ما سيجبر أمي على التوقف. 

أخيرا قررت إشعال الضوء لكي يأتي إخوتي لحملي إلى المفرش حيث أنام. أما أنا واصلت التظاهر بأني على وشك أن يقضى عليᴉ كنت أهذي كما لو فقدت عقلي، لا أعرف أين أنا لكني في الواقع كنت ما زلت ابحث عن السبب وعما فعلت. كانت أمي تقول لا شيءᴉ ماذا؟ لم أفعل شيئا، وإذن ماذا؟ لا لقد فعلت، لكنه لا شيء أمام ما يحدث لك الآنᴉ نعم، لم يكن شيئاᴉ مجرد ساعة في الجحيم، أول درجة من اللعنة التي تنزل علي مع كل سوط من سياطها. كنت ما أزال أرتعد وأتشنج كشيطان متسائلا عما يمكن أن يكونه الجحيم حسب أمي. وهي ترش رأسي المحموم بالماء البارد وتقول بأنه ما كان علي إغضابها. لم يكن هناك ما هو أنسب من الماء لهذا الامتحان الصعب، كانت حاجتي لإطفاء العطش قوية. 

وأنا أشرب كنت أترك الماء يندلق عبر جانبي شفتي، لأوهمها بأن حنجرتي لا تستجيب، كنت أتجشأ أيضا مثل الممسوس، ومن وقت لآخر أفعل كمن يصرخ من الهلع. تستمر التمثيلية لأني لست متأكدا تماما بأن الحفلة انتهت فعلا، يظل أمر استئنافها واردا في أي لحظة ...