اقتصادكم- أسامة الداودي
أكدت رئيسة المجلس الوطني لإدماج كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج CNICMM، سلمة الركراكي، في حوار خصت به موقع "اقتصادكم"، أن كفاءات مغاربة العالم تشكل رافعة استراتيجية لخلق فرص شغل مستدامة، عبر الاستثمار وريادة الأعمال ونقل المشاريع، وتقليص فجوة التكوين والتشغيل، وربط المغرب بسلاسل القيمة العالمية، مع دور محوري للمجلس في هيكلة هذه الدينامية ورفع عوائقها.
وتعنى هيئة المجلس الوطني لإدماج كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج، بتعبئة وتثمين كفاءات مغاربة العالم، وربطها بالمؤسسات الوطنية والاقتصاد والابتكار، لتحويل خبراتها إلى مشاريع استثمارية وتنموية مُحدثة للقيمة وفرص الشغل المستدام بالمغرب.
وفي ما يلي نص الحوار كاملاً:
كيف يمكن للكفاءات المغربية المقيمة بالخارج أن تسهم في خلق فرص شغل مستدامة بالمغرب، لا سيما عبر الاستثمار، وريادة الأعمال، أو نقل المشاريع من الخارج؟ وهل ترون أن هذه الدينامية يمكن أن تشكل استجابة هيكلية، ولو جزئية، لإشكالية بطالة الشباب؟
تشكل الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج رافعة استراتيجية كبرى لخلق فرص الشغل المستدام بالمغرب، ويمكن أن يتم إسهامها عبر مستويات متعددة ومتكاملة.
أولا، من خلال الاستثمار المنتج، خاصة في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مثل الصناعة، والطاقات المتجددة، والرقمنة، والصناعات الغذائية، وقطاع الصحة.
فهذه الكفاءات غالبا ما تتوفر على معرفة مزدوجة تجمع بين المعايير الدولية من جهة، والخصوصيات المحلية من جهة أخرى، ما يسهل إعداد مشاريع قابلة للاستمرار، وتنافسية، ومُولّدة لفرص الشغل المؤهلة.
ثانيًا، تضطلع ريادة الأعمال ونقل المشاريع من الخارج بدور حاسم، إذ يحمل العديد من مغاربة العالم مشاريع جرى اختبارها دوليًا من شركات ناشئة، ومقاولات صغرى ومتوسطة، ونماذج أعمال مبتكرة يمكن تكييفها وتنزيلها داخل المغرب.
ويسمح هذا النقل ليس فقط بإحداث فرص شغل مباشرة، بل أيضًا بنشر ممارسات تدبير حديثة، وتكنولوجيات متقدمة، وثقافة الابتكار.
كما يُعد نقل الكفاءات والمعارف عنصرا أساسيًا لا يقل أهمية، من خلال الإرشاد، ومواكبة الشباب المقاول، والتكوين، أو الانخراط في المنظومات المحلية، بما يعزز قابلية تشغيل الشباب والارتقاء بجودة الرأسمال البشري الوطني.
وبخصوص بطالة الشباب، فالتحدي لا يقتصر على إحداث فرص شغل فحسب، بل يتعداه إلى خلق وظائف دائمة، ومؤهلة، ومتوافقة مع احتياجات الاقتصاد المغربي المستقبلية.
وفي هذا السياق، تمكن مساهمة كفاءات مغاربة العالم من ربط المغرب بسلاسل القيمة العالمية واستباق التحولات الاقتصادية.
ويتمثل دور المجلس الوطني لإدماج كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج تحديدًا في هيكلة هذه الدينامية، وتيسيرها، وتعزيز أثرها، من خلال إزالة العراقيل، وتنسيق الفاعلين، وإرساء جسور عملية بين الكفاءات بالخارج وأولويات التنمية بالمملكة.
إلى أي حد يمكن لخبرة مغاربة العالم أن تسهم في تقليص الفجوة بين التكوين واحتياجات سوق الشغل الفعلية، عبر نقل الكفاءات، أو التأطير الأكاديمي، أو مبادرات الإرشاد والتوجيه؟ وهل يضطلع المجلس أو يواكب مبادرات في هذا الاتجاه؟
تعد خبرة مغاربة العالم رافعة أساسية لتقليص الفجوة بين منظومة التكوين ومتطلبات سوق الشغل الحقيقية.
فبفضل تجربتهم الدولية، يوفرون معرفة عملية بالكفاءات المطلوبة، والمهن الناشئة، والمعايير المهنية المعتمدة حاليًا.
ويتجسد هذا الإسهام من خلال نقل الكفاءات، والمشاركة في مؤسسات التكوين، والتأطير الأكاديمي، إضافة إلى مبادرات الإرشاد لفائدة الطلبة والكفاءات الشابة، بما يسمح بمواءمة أفضل لمسارات التكوين مع الواقع الاقتصادي وتعزيز قابلية التشغيل.
ويعمل المجلس الوطني لإدماج كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج على مواكبة هذه الديناميات وهيكلتها، عبر تسهيل الشراكات بين الكفاءات المغربية بالخارج، والجامعات، ومراكز التكوين، والمقاولات، بهدف إرساء جسور مستدامة بين التكوين والتشغيل، خدمةً لتنمية الرأسمال البشري والاقتصاد الوطني.
كيف يمكن تعبئة الكفاءات المغربية بالخارج ليس فقط كخبراء، بل أيضًا كمستثمرين أو شركاء استراتيجيين قادرين على خلق قيمة مضافة وفرص شغل محليًا؟ وما هي، في رأيكم، أبرز العراقيل التي ينبغي تجاوزها لتحقيق ذلك؟
ينبغي أن تتجاوز تعبئة الكفاءات المغربية بالخارج منطق الخبرة الظرفية، لتندرج ضمن دينامية شراكة واستثمار مستدام.
ويتطلب ذلك إرساء أطر تحفيزية تعترف بقيمتها المزدوجة، من حيث الرساميل المالية، والخبرة الاستراتيجية، والولوج إلى الشبكات الدولية.
وعمليًا، يستدعي الأمر تيسير انخراطها كمستثمرين، أو شركاء في ريادة الأعمال، أو فاعلين صناعيين، خاصة في القطاعات ذات الإمكانات العالية لإحداث فرص الشغل.
إذ يمكن لكفاءات مغاربة العالم أن تلعب دورا محوريًا في نقل المشاريع، وإحداث فروع لمقاولات دولية، وإدماج المغرب في سلاسل القيمة العالمية، وتطوير مقاولات مبتكرة ذات أثر محلي قوي.
وتظل أبرز العراقيل التي يتعين رفعها ذات طابع إداري وتنظيمي، من قبيل تعقيد المساطر، وضعف وضوح الآليات المتاحة، وبطء اتخاذ القرار.
كما تبرز إكراهات الولوج إلى التمويل، ونقص المواكبة المهيكلة لحاملي المشاريع، والحاجة إلى تنسيق أفضل بين الفاعلين العموميين والخواص.
ويُعد تعزيز الثقة والوضوح عاملا حاسمًا، من خلال توفير مخاطبين موحدين، وتأمين الاستثمار، وتثمين قصص النجاح.
ويتمثل دور المجلس الوطني لإدماج كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج في المساهمة في رفع هذه العوائق، عبر تسهيل الربط، والدفاع عن أطر أكثر جاذبية، ومواكبة المشاريع ذات الإمكانات العالية لخلق القيمة وفرص الشغل.
ما الدور الذي يمكن أن تضطلع به الكفاءات المغربية بالخارج في ربط المغرب بفاعلين دوليين من مقاولات، جامعات، وصناديق استثمار، بما يفتح آفاقا جديدة للتشغيل والتنمية الاقتصادية؟ وهل تتوفرون على أمثلة أو تجارب تعكس هذه الدينامية؟
تلعب الكفاءات المغربية بالخارج دور حلقة وصل استراتيجية حقيقية بين المغرب والمنظومات الدولية.
فمن خلال تموقعها داخل مقاولات، وجامعات، وشبكات استثمار، تسهم في تسهيل ولوج المغرب إلى شراكات جديدة، وأسواق خارجية، ومصادر تمويل، بما يخلق فرصًا ملموسة للتشغيل والتنمية الاقتصادية.
كما تسهم في ربط المغرب بمقاولات دولية، وإرساء تعاونيات أكاديمية وعلمية، واستقطاب صناديق استثمار مهتمة بمشاريع أو كفاءات تتمركز بالمغرب، ما يعزز إدماج المملكة في سلاسل القيمة العالمية وتطوير قطاعات ذات قيمة مضافة مرتفعة.
وعلى مستوى التجارب، تُسجل مبادرات قادها مغاربة العالم أفضت إلى إطلاق شركات ناشئة بالمغرب بشراكات أجنبية، وإحداث برامج تعاون جامعي، أو توطين مشاريع صناعية وتكنولوجية مولدة لفرص الشغل محليا.
ويعمل المجلس على البناء على هذه الديناميات القائمة، من أجل هيكلتها، وتثمينها، وتوسيع نطاقها.
ويكمن التحدي اليوم في تحويل هذه التجارب الفردية إلى آليات مستدامة، حتى يصبح الربط الدولي رافعةً منهجية في خدمة التشغيل والتنمية الاقتصادية بالمملكة.