اقتصادكم- نورالدين البيار
كانت العشر سنوات الأخيرة حافلة بالأحداث، ومؤثرة في الواقع الجيوسياسي والجيو اقتصادي الدولي، أحداث كثيرة يرى البعض أنها تبشر بنظام عالمي جديد، ويقع المغرب في قلبها ويؤثر ويتأثر بها.
"اقتصادكم" استضافت الحسن عبيابة، الوزير السابق، ورئيس مركز ابن بطوطة للدراسات العلمية والاستراتيجية، والأكاديمي المتخصص في الدراسات الجيو سياسية، للحديث عن تطورات القضية الوطنية والسياق الدولي المتسم بتشكل تحالفات وتكتلات جديدة.
اقتصادكم: لنبدأ من زيارة أنتوني بلينكن إلى المغرب، كيف تقرأ هذه الزيارة؟
لقد أثبتت العديد من الدراسات الجيواستراتيجية، عبر أبحاث ومراكز ودراسات مختلفة، أن العالم يعرف تحولات مختلفة خلال العشر سنوات الأخيرة. الولايات المتحدة ترسم ملامح الجيواستراتيجيا الجديدة على مستوى شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ونلاحظ أن هناك بوادر على عدة مستويات منذ عشر سنوات.. ظهرت في عهد ترامب، وكانت إشارات أمريكية بتغير وجهة نظرها عن أوروبا، إذ حاولت الأخيرة أن تستقل في قرارها عن أمريكا والعكس صحيح أيضا. وذلك بحكم التغيرات الجيو اقتصادية التي يعرفها العالم.
وزيارة بلينكن المكوكية التي ظهرت في القمة الخماسية بالنقب، بإسرائيل، تعد تكتلا جيوسياسيا جديدا، يمكن أن نسميه تكتلا جيوسياسيا عربيا، رغم محدوديته لكن أهميته كبيرة، فمن خلاله ستبنى الاستراتيجيات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأن للولايات المتحدة عدة أذرع للعمل، أهمها الذراع الإسرائيلي والذراع العربي، باعتباره حلفا أساسياً، ووجود بلينكن في المغرب، يدل على أهميته كدولة لها ريادة أفريقيا وعربيا، كما أن المغرب استبق ما يحدث على المستوى الجيوسياسي، فهيأ البنية على المستوى الإفريقي والمتوسطي.
اقتصادكم: يلاحظ في العشر سنوات الأخيرة تحولات جيواستراتيجية كبيرة في العالم، ما أسباب ذلك؟
الأصل في النظام الدولي التغيير وليس الاستقرار، فمنذ 1945 نجد أن العالم عرف تغيرات متعددة: الحرب الباردة ثم القطب الوحيد ثم العولمة ثم نتحدث الآن عن نظام الأقطاب المختلفة على المستوى السياسي والاقتصادي. إذ نتحدث عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الاتحاد الأوربي والصين واليابان والهند وروسيا ويمكن أن ندرج كذلك القارة الأفريقية. هذه الأقطاب تطرح فكرة جديدة للتصور الدولي، ويمكن أن نتحدث عن نظام عالمي جديد.
اقتصادكم: ما تأثير هذه التحولات على المغرب؟
المغرب يتأثر بأحداث العالم بشكل مباشر أو غير مباشر، فالتحولات التي تعرفها أوروبا مثلا تؤثر عليه بحكم الشراكة الاستراتيجية التي بينهما، لكن الجديد أن المغرب الآن بات بدوره يؤثر في الآخرين ومواقفه باتت تؤثر في الاتحاد الأوروبي.
اقتصادكم: كيف تقرأ التحول في الموقف الإسباني بخصوص ملف الصحراء؟
هذا مكسب جديد للمغرب، لكن إسبانيا تعيش مشاكل جيو اقتصادية كثيرة في السنوات العشر الأخيرة، ومصالحها مع المغرب لا تقارن بالدول الأخرى. أظن أن الحكومة الإسبانية راجعت مواقفها، وأدركت أن مستقبلها الجيواستراتيجي مع المغرب وليس مع الآخرين، وأظنه موقفا سليما، أنهى الجدل حول الموقف الإسباني الذي كان دوما متذبذبا.
اقتصادكم: إذن إسبانيا أدركت أن مصلحتها مع المغرب وليست مع غيره؟
تماما، بل الأكثر من ذلك أن مستقبل إسبانيا مع المغرب على جميع المستويات، فجنوب إسبانيا تعيش فيه 15 مليون نسمة، تعيش مع المغرب بفضل الصيد البحري وعملية عبور والتجارة… فلا يمكن لإسبانيا أن تهدر هذه العلاقات الاقتصادية القوية. والموقف المغربي مما قامت به إسبانيا من أشياء لا ترضي المغرب دفعها لتغيير موقفها، وأظن هذه نتائج السياسة الوطنية والدبلوماسية الملكية.
هذا يجرنا للحديث عن الجزائر، وهي التي كانت لها علاقة ملتبسة مع إسبانيا قبل أكثر من سنة، لماذا في رأيك تعرقل الجزائر إحياء الاتحاد المغاربي عبر دعم الانفصال؟
منهجية الجزائر هي عرقلة كل شيء لن تأخذ فيه مرتبة الريادة. فهي تعيش على أدبيات الماضي، أدبيات تاريخ التحرير، وهي أدبيات تلاشت، فنحن نتحدث عن 2022 حيث هناك معطيات جديدة. والجزائر تعاكس مصالح المغرب العربي لأنها لن تجد فيه نفسها، وتعاكس مصالح المغرب، والدول المجاورة، بل تعاكس أحيانا مصالحها الخاصة. وأعتقد أن التوجه السياسي الجزائري ملتبس ولن يفيد الجزائريين كشعب، ويتجلى ذلك في كونها دولة لها ثروة على مستوى 40 سنة لم تحقق أي شيء مقارنة بباقي الدول المغاربية.
اقتصادكم: ما رأيك في تطور علاقات المغرب مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة وكيف يمكن للمغرب أن يستفيد من هذه العلاقات؟
المغرب سيستفيد على أكثر من مستوى، أولا مكسب فرض شروطه على مستوى العلاقات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي، بتحديد المصالح المشترك رابح-رابح، وبتحديد مستوى العلاقات باحترام السيادة الوطنية بالدرجة الأولى… وهي كلها خطوات بمنطق رابح رابح.
اقتصادكم: ماهي الأسباب التي جعلت من المغرب رائدا في القارة الإفريقية؟
عديدة، وجود أبناك مغربية، الخطوط الملكية المغربية كآليات مساعِدة للتعامل، ثم عودة المغرب من الباب الكبير للاتحاد الأفريقي، مما جعله ليس فقط عائداً بل مفيداً للاتحاد، وهذه سياسة أعطت ثمارا على المستوى الجيوسياسي للقضية الوطنية، وكذلك على المستوى الاقتصادي، مما دفع قوى جيوسياسية للنظر نظرة جديدة للمغرب، فعندما يلاحظ تغير جيوسياسي يؤدي لتغير جيو اقتصادي يصبح الاهتمام من جميع الأقطاب، وقد صار للمغرب علاقات وشراكات مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي…
اقتصادكم: كيف تقرأ الموقف الفرنسي من قضية الصحراء حتى الان؟
الموقف الفرنسي كان موقفا تقليديا، ففرنسا تعاني إشكالات داخلية ودائما ما تتصرف وفقاً لتلك الإشكالات، ولكن الموقف الفرنسي كان دائما مع المغرب، وأظنها حاليا داعمة للحكم الذاتي، فالسياق العام بعد الاعتراف الأمريكي والألماني والإسباني، سيدفع جميع الدول الأوروبية للسير في نفس المنحى، لأن من مصلحتها أن يكون المغرب مستقرا.
اقتصادكم: هل يمكن أن تؤثر الحرب الأوكرانية على علاقات المغرب ببعض الشركاء الأوروبيين؟
لن يكون هناك تأثير مباشر، فالعلاقة مع أوكرانيا كانت تجارية عبر استيراد بعض المواد، ما يقع الآن يوقف هذه العملية، لكن موقف المغرب كان متفهما لجميع الأطراف، فما يحدث الآن بين الناتو وروسيا كان متوقعا، أو الأحرى أنه كان مبرمجا بشكل أو بآخر، لأني أعتقد أنه في النهاية سيتم وقف الحرب وستكون حدود جيوسياسية جديدة عبر تحييد أوكرانيا. ذلك أن تشابك المصالح الجيوسياسية لم يعد يسمح لأي دولة باتخاذ قرارات منفردة.
اقتصادكم: المغرب كسب الكثير من الجولات الدبلوماسية في الآونة الأخيرة، وكانت تحركات المغرب على أكثر من جبهة، مما خلف انعكاسات مهمة، رأينا كيف تعامل مع المانيا، واسبانيا، وكذلك علاقاتنا مع الولايات المتحدة، إلى أي حد يمكن لهذه العلاقات خدمة القضية الوطنية؟
لقد تميز المغرب في السنوات الأخيرة بصمود قوي لمواقفه، وهذا يدل على أنه بات قوة صاعدة ومؤثرة في أفريقيا وفي السياسات الدولية بمنطقة غرب البحر المتوسط. وزن المغرب يتكون ويتقوى شيئا فشيئا لأنه مطبوع بالمصالح المشتركة.
اقتصادكم: بالعودة إلى الحرب هل يمكن أن نشهد تغيرا في الخريطة الجيو سياسية إقليميا ؟
سيكون هناك تغير جيوسياسي على مستويات متعددة، فبالنسبة للاتحاد الأوروبي ستتغير الحدود والمواقف، وفي منطقة المغرب العربي هناك تغير على مستوى ليبيا وتونس، أما بالنسبة للمغرب فيتضح أن هناك إرادة أمريكية لجعل المنطقة مستقرة وعازلة للمشاكل بين أوروبا وأفريقيا. فنحن ننتمي لمنطقة، من الناحية الجيوسياسية، عازلة على مستويات الهجرة، الاتجار بالبشر والمخدرات… فالمصالح الأوروبية، التي هي جزء من المصالح الأمريكية، تجعل من المنطقة تحظى باهتمام كبير وتؤثر بشكل قوي في استقرار تلك الدول.