حسن جابر يكتب: لحظة تأمل بالعيون إثر تتبع نهائي كأس العالم للشبان

التحليل والرأي - 20-10-2025

حسن جابر يكتب: لحظة تأمل بالعيون إثر تتبع نهائي كأس العالم للشبان

اقتصادكم

حسن جابر : رئيس لجنة الوساطة والتحكيم باللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر

ما استوقفني حقاً خلال تتويج المنتخب المغربي للشبان بكأس العالم، لم يكن فقط ذلك الأداء البطولي الذي أبداه أبناؤنا فوق الميدان، بل ذلك المشهد المهيب الذي صنعه الشعب المغربي في كل ربوع الوطن. من الشمال إلى الجنوب، من طنجة إلى الكويرة، خرج المغاربة تلقائياً، يهتفون، يرفعون الأعلام، ويغنون للمغرب الواحد الموحد، وكأن الوطن كلّه نهض في لحظة واحدة ليعلن فرحته الكبرى.

لقد كانت تلك اللحظات أكثر من مجرد احتفالات بانتصار رياضي؛ كانت تعبيراً صادقاً عن هوية أمة، وعن نبض وطن يسكن القلوب قبل أن ترسمه الجغرافيا على الخريطة. كان تجاوب الشعب المغربي التلقائي صورة ناطقة لعمق الانتماء، وتجسيداً لتلك الروح الوطنية المتأصلة التي تتجدد مع كل حدث يلامس وجدان المغاربة.

وفي الأقاليم الجنوبية، وخاصة بمدينة العيون حيث شاءت الصدفة أن أكون حاضراً للمشاركة في اللقاء العربي حول السيادة الإعلامية، كان المشهد مهيباً بكل المقاييس. خرجت الجماهير عن بكرة أبيها، رجالاً ونساءً، شيوخاً وشباباً، لتقول للعالم بصوت واحد: إن الصحراء مغربية، بالروح قبل الحدود، وبالانتماء قبل الخرائط. لم يكن ذلك مجرد احتفال، بل كان إعلان ولاء، واستفتاءً شعبياً على وحدة الوطن، شارك فيه الشعب دون دعوة، لأن حب المغرب لا يحتاج إلى توجيه ولا إلى موعد.

وفي تلك الأمسية التي تمازج فيها الفرح بالدموع، والأهازيج بالنشيد الوطني، أدركت أن وحدة المغرب ليست شعاراً يُرفع، بل شعور يسكن القلوب. إن المبادرة المغربية للحكم الذاتي لم تعد مجرد مقترح دبلوماسي تُناقشه المنتديات، بل أصبحت تعبيراً حقيقياً عن إرادة شعب واختيار أمة، وعن وعي جماعي بأن وحدة التراب المغربي خط أحمر لا يُمَس، لأنها ليست قضية حدود، بل قضية وجود وهوية ومصير مشترك.

تلك كانت لحظة من لحظات المغرب العميق؛ لحظة قال فيها الشعب كلمته، لا بالبيانات ولا بالخطب، بل بصوته الصادق وبتلاحمه الجميل، ليؤكد أن المغرب، مهما تبدلت الظروف، يظل واحداً، موحداً، عصيّاً على التجزئة، شامخاً برايته التي لا تنكسر.