اقتصاد المؤثرين في المغرب.. طفرة غير مسبوقة في حاجة ملحة للتنظيم

الاقتصاد الوطني - 28-10-2025

اقتصاد المؤثرين في المغرب.. طفرة غير مسبوقة في حاجة ملحة للتنظيم

 

اقتصادكم - محمد بوعزاتي

 

يشهد المغرب على غرار باقي دول العالم، طفرة غير مسبوقة في ما يُعرف بـ”اقتصاد المؤثرين”، وهو القطاع الذي تحول من مجرد ظاهرة رقمية إلى سوق حقيقية تدرّ ملايين الدراهم وتستقطب اهتمام العلامات التجارية والمعلنين على حد سواء.
لكن هذا النمو المتسارع يطرح في المقابل أسئلة عميقة حول التنظيم، والشفافية، وحدود التأثير الأخلاقي، في غياب إطار قانوني واضح يؤطر هذه الممارسة الجديدة.

في هذا السياق، يقدم الخبير في التسويق الرقمي عماد بلاك، قراءة تحليلية متوازنة حول واقع هذا الاقتصاد واتجاهاته، بين الفرص الواعدة والتحديات الهيكلية.

من ظاهرة رقمية إلى سوق مربحة

في حديثه لموقع "اقتصادكم" يؤكد عماد بلاك أن التحول الحقيقي في مكانة المؤثرين داخل المنظومة الاقتصادية المغربية بدأ عندما أدرجت المؤسسات التجارية المؤثرين ضمن استراتيجياتها التسويقية.

ويشير الخبير  إلى أنه لاحظ التحول الميداني في السوق، إذ بدأت الشركات، بل وحتى المقاهي والمطاعم، تبحث عن مؤثرين محليين مستعدة لدفع مبالغ حقيقية مقابل محتوى رقمي محدد، بدل الاعتماد على الإعلانات التقليدية طويلة الأمد.

بحسب بلاك، ساهم هذا التوجه في تحويل المؤثرين من فاعلين هامشيين إلى عناصر أساسية في حملات التسويق، مشيرا إلى أن السوق بات ضخما ومفتوحا، وأن العلامات التجارية باتت تراهن على مزيج متنوع من المؤثرين لتحقيق نتائج أكثر توازنا وفعالية.

ويرى أن هذا التوجه حوّل المؤثرين من فاعلين هامشيين إلى عناصر أساسية في حملات التسويق، مؤكداً أن “السوق بات ضخما ومفتوحا، وأن العلامات التجارية باتت تراهن على مزيج متنوع من المؤثرين لتحقيق نتائج أكثر توازناً وفعالية”.

إنستغرام يتصدر.. وأجيال رقمية مختلفة

من حيث المنصات، يضع بلاك إنستغرام في صدارة أدوات التأثير بالمغرب، باعتباره الفضاء الذي يجمع مختلف الأجيال في تجربة بصرية وجمالية متكاملة.
أما فيسبوك، فقد تحول إلى منصة لجيل الألفية والأربعينيات، في حين يحتفظ تيك توك بجاذبيته لدى المراهقين.

ويستثني بلاك سنابشات من معادلة التأثير التسويقي رغم انتشاره، موضحا أن “محتواه السريع الزوال يجعله أقل نجاعة من حيث بناء علاقة دائمة بين العلامة والجمهور”.

من المؤثر إلى صانع المحتوى… تمايز المفهوم والوظيفة

يرى بلاك أن الخلط بين “صانع المحتوى” و”المؤثر” يربك فهم هذا الاقتصاد.

فالأول، حسبه، ينتج صورا وفيديوهات، لكنه لا يمتلك بالضرورة رؤية أو هوية فكرية،بينما الثاني “يشتغل داخل مجال محدد، ويحافظ على أسلوبه وموقفه، حتى لو خسر عروضا مغرية، لأن التأثير ليس في عدد المتابعين بل في الموقف ذاته”.

ويضيف أن المؤثر الحقيقي هو الذي “يبني ثقة تراكمية مع جمهوره، ويكون مستعدا لرفض إعلانات لا تنسجم مع قناعاته”، مشددا على أن “المؤثر الذي يغيّر مواقفه مع الماركات لا يمكن أن يُعتبر مؤثرا بل مروّجا عابرا”.

التسويق الأخلاقي شرط أساسي للثقة

يتبنى بلاك فلسفة واضحة في عمله تقوم على ما يسميه “التسويق الأخلاقي”، وهي مقاربة تجعل القيم والسلوك جزءً من الهوية التسويقية.

ويقول: «رفضت أكثر من مرة التعاون مع مؤثرين أو علامات تجارية لأنهم لا يمثلون قيمنا المهنية، فالمؤثر الذي يروّج لأي منتج مقابل المال فقط هو ما أُسميه بالمؤثر المرتزق.»

ويعتبر أن اللغة والسلوك جزء من الرسالة التجارية نفسها، وبالتالي “لا يمكن لمؤثر يستخدم لغة غير محترمة أن يمثل مؤسسة تبحث عن صورة جادة ومسؤولة”.

الضريبة وحدها لا تكفي.. نحو نظام مرن للمؤثرين

بعد إدراج مداخيل المؤثرين ضمن الوعاء الضريبي في قانون المالية لسنة 2025، يرى عماد بلاك أن الإجراء خطوة إيجابية لكنها تظل ناقصة، مشيرا إلى أن الضريبة وحدها لا تكفي لبناء الثقة، بل تتطلب تواصلا وتوضيحا من الدولة، مع ربط الغاية من الضريبة بالمواطنة والمساهمة في الصناديق الاجتماعية مثل CNSS

ويقترح الخبير اعتماد نظام ضريبي مرن بالطلب، بحيث “يصدر المؤثر فاتورة، يؤدي عنها الضريبة، وتنتهي التزاماته فورا”، لأن “العمل في هذا المجال موسمي وغير منتظم، ولا يمكن إخضاعه لمنطق الوظائف الكلاسيكية.”

ويشير بلاك إلى أن عددا متزايدا من المؤثرين أصبحوا يؤسسون شركاتهم الصغيرة أو يسجلون أنفسهم كمقاولين ذاتيين، ما ساهم في رفع مستوى المهنية داخل السوق. وأضاف أن وكالته لم تعد تتعامل مع أي مؤثر لا يستطيع إصدار فاتورة، معتبرا أن هذا أصبح جزءً أساسيا من احترام قواعد السوق

الاقتصاد الرقمي يتجاوز القانون التقليدي

يدعو عماد بلاك إلى اعتماد قانون رقمي شامل يواكب التطور التكنولوجي المتسارع، مشيرا إلى أن الدولة ما زالت تفهم التحويلات البنكية التقليدية لكنها لم تستوعب بعد طبيعة الاقتصاد الرقمي الجديد. وأوضح أن التعاملات عبر منصات مثل PayPal أو الإنفاق الإعلاني على الشبكات الاجتماعية ما زالت تُدار بمنطق قديم، مشددا على أن الحل يكمن في الحوار بين الدولة والخبراء والمسوقين لصياغة قانون يسهل العمل ولا يعقده.

فجوة في الثقافة الإعلامية

من أبرز الملاحظات التي يسجلها بلاك ضعف الثقافة الإعلامية لدى الجمهور المغربي، حيث “يعجز كثيرون عن التمييز بين المحتوى المدفوع والمحتوى الحقيقي”، ما يخلق التباسا في فهم الخطاب الإعلامي الجديد.

وفيما يتعلق بمستقبل القطاع، يتوقع بلاك أن يشهد تحوّلا تدريجيا نحو المحتوى الأصيل خلال السنوات المقبلة، خاصة مع دخول الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى. وأكد أن الصدق سيظل العملة الأقوى في هذا المجال، مشيرا إلى أن المحتوى الإنساني الصادق هو ما سيصمد أمام سيل المحتوى المولّد آليا بواسطة الذكاء الاصطناعي.