الاستثمارات: الرهان المزدوج على الأداء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية

الاقتصاد الوطني - 29-10-2025

الاستثمارات: الرهان المزدوج على الأداء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية

اقتصادكم

 

يسعى المغرب اليوم إلى تحقيق معادلة صعبة تجمع بين جاذبية الاستثمار والعدالة الاجتماعية في جميع المناطق. ومع ذلك، يبقى الجانب الاجتماعي هو نقطة الضعف في النموذج الحالي. فقد اختفت من الخطاب الرسمي مفاهيم أساسية مثل التوازن الجهوي والتمييز الإيجابي، رغم أنها تظل ضرورية لضمان استفادة الجميع من ثمار النمو الاقتصادي.

وقال الخبير الاقتصادي خالد دومو أن اللجان الوطنية للاستثمار تهدف إلى تشجيع الاستثمارات العمومية والخاصة، وتسهيل تنفيذها، وتعزيز تنافسية الاقتصاد. وقد حقق المغرب بالفعل نتائج ممتازة في قطاعات مثل صناعة السيارات، الطيران، الطاقات المتجددة، الاتصالات، القطاع البنكي والتأمين، وتصدير الفواكه والخضر. كما أن استغلال الموارد البحرية (الهيدروكربورات، المعادن النادرة، الثروات السمكية) يبشر بآفاق واعدة.

غير أن بناء علامة وطنية قوية (Branding Nation) يتطلب أولاً خدمات اجتماعية متينة وعادلة، من خلال جهوية متقدمة تشمل الجبال والواحات والمناطق الساحلية على حد سواء. وقد أشار صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى هذا الأمر في خطابه الأخير.

وتمت المصادقة مؤخراً على اثني عشر مشروعاً استراتيجياً بقيمة إجمالية تناهز 45 مليار درهم، بهدف خلق فرص عمل وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني. ويسعى المغرب من خلال ذلك إلى التوفيق بين الجاذبية الاقتصادية والعدالة المجالية.

وعن تأثير هذه الديناميكية الاستثمارية على الاقتصاد الوطني، أكد خالد دومو في حوار مع Finances News Hebdo أنه النظر إلى الوضع الاجتماعي الدقيق الذي يمر به بلدنا، خصوصاً مع مطالب الجيل الجديد (Gen Z 212)، يجب التأكيد على أن أي أثر إيجابي ودائم للاستثمار يتطلب الاهتمام بالاستثمار العمومي في الخدمات الأساسية، وهي مدرسة عمومية ذات جودة، ولوج ميسر للسكن، خدمات صحية متاحة للفئات الهشة، ومكافحة فعالة للبطالة بين الشباب (التي تبلغ 37% للفئة العمرية 15-24 سنة)، مشيرا إلى أن النموذج الاجتماعي الديمقراطي، الذي أشار إليه رئيس الحكومة أكثر من مرة، يبدو الأنسب للتطبيق في السياق المغربي. فالمطلوب هو توظيف المال العام لتحسين مستوى الخدمات الاجتماعية الأساسية.

ورغم ذلك، فقد حقق المغرب تقدماً ملحوظاً في مجال جاذبية الاستثمارات، حيث يشهد القوة الناعمة المغربية ازدهاراً واضحاً، يتجلى في استقطاب 17,4 مليون سائح سنة 2024، والشراكات الدولية، والتقدم الدبلوماسي في ملف الصحراء المغربية، والنجاحات الرياضية، خصوصاً في كرة القدم.

كما أن رفع التصنيف الائتماني السيادي للمغرب من طرف وكالة ستاندرد آند بورز (S&P) إلى BBB-/A-3 يُعد خبراً ساراً، لأنه يسهل الحصول على التمويلات الدولية بفوارق فائدة تتراوح بين 150 و200 نقطة أساس أقل.

إن التنمية، حسب المتحدث ذاته يجب أن تُدرَس من زاويتين متكاملتين، اقتصادية ومالية، وأيضاً مجالية، اجتماعية وبيئية. ورغم أن مناخ الأعمال في تحسن واضح، إلا أن كأس العالم 2030 تمثل فرصة استثنائية لتطوير البنية التحتية وتحسين جودة الحياة، فأي مشروع اقتصادي كبير لا يخدم المجتمع مصيره الفشل.

وأضاف أن القيمة المضافة المحلية تؤدي تلقائياً إلى خلق فرص عمل، إلا أن قانون الغلة المتناقصة (وفق نظرية روستو) يبيّن أن النمو المستدام يتطلب تقدماً تكنولوجياً.

ورغم الدينامية الاستثمارية، تشير أرقام المندوبية السامية للتخطيط (HCP) إلى استمرار البطالة، حيث كان الرصيد الصافي لفرص العمل سلبياً خلال أربع سنوات من الولاية الحكومية الحالية:
(-27.000، -157.000، -82.000، +5.000) ويمنع هذا الوضع المغرب من الاستفادة من العائد الديموغرافي.

فالمنظومات الصناعية تُنتج وظائف مباشرة ما دامت البنية الإنتاجية في طور التطوير، أما الوظائف غير المباشرة فتعتمد على استدامة المشاريع، خصوصاً حين يقودها مستثمرون يسعون أساساً إلى الربح المالي. لذا يجب إبرام شراكات متوازنة تضمن تشغيل الكفاءات المحلية ونقل التكنولوجيا.

ويُسجَّل تقدم في هذا المجال، إذ يستهدف المغرب نسبة إدماج محلي تصل إلى 75% في قطاع السيارات بحلول عام 2030.

أما معدل تكوين رأس المال الثابت، فقد ارتفع من 30% إلى 32% من الناتج الداخلي الإجمالي بين عامي 2023 و2024، مدفوعاً بقطاعات مثل الطاقة والاتصالات. ومع ذلك، تبقى إنتاجية رأس المال ضعيفة، إذ يبلغ مؤشر العائد على الاستثمار (ICOR) 8,1، أي أن المغرب يحتاج إلى استثمار 8,1% من الناتج الداخلي ليحقق 1% من النمو، مقابل 6,8 في تركيا، 6,4 في فيتنام، و4,0 في الهند.