رغم المؤشرات الماكرو اقتصادية الإيجابية.. المغرب يواجه تحدي التحول العميق

الاقتصاد الوطني - 27-10-2025

رغم المؤشرات الماكرو اقتصادية الإيجابية.. المغرب يواجه تحدي التحول العميق

اقتصادكم

 

بفضل نمو قوي وتضخم تحت السيطرة، يظهر الاقتصاد الوطني مؤشرات إيجابية على العمو، لكن خلف هذا التحسن الظرفي، ما تزال هناك هشاشات هيكلية تعيق تحقيق التحول العميق الذي تتطلع إليه المملكة.

ويشير تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الصادر عن صندوق النقد الدولي (FMI) إلى أن المغرب يسير على مسار اقتصادي إيجابي، إذ يتوقع أن يسجل نموًا بنسبة 4.4% سنة 2025، بعد 3.8% في 2024، على أن يبلغ 4.2% سنة 2026.

وفي سياق عالمي لا يزال غير مستقر، تُصنّف هذه الأرقام المغرب ضمن أكثر الاقتصادات دينامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA).

أما التضخم، فقد ظل في حدود 1.2% فقط، وهو ما يعكس فعالية السياسة النقدية التي يتبعها بنك المغرب، الذي حافظ على سعر فائدة رئيسي عند 2.25%، في وقت ما تزال اقتصادات ناشئة كثيرة تعاني من تبعات التضخم العالمي بعد جائحة كوفيد والتقلبات في أسعار الطاقة.

على الصعيد المالي والميزانياتي، تبقى التوازنات مستقرة؛ إذ انخفضت المديونية العمومية بشكل طفيف إلى 68% من الناتج المحلي الإجمالي، واستقرت المديونية الخارجية عند حوالي 36%، بينما ظل عجز الحساب الجاري عند مستوى –2.3%.

كما رحّب صندوق النقد الدولي باستراتيجية تنويع الاقتصاد الوطني، إذ تستمر صادرات قطاعي السيارات والطيران في دعم النمو، إلى جانب الإيرادات السياحية التي ارتفعت بنسبة 12% خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025.

وقال عبد الغني يومني، الاقتصادي والأستاذ المساعد في معهد العلوم السياسية بباريس (Sciences Po) في حوار مع جريدة "Finances news hebdo ":"هذه القدرة على الصمود تُظهر نموذجًا مغربيًا قادرًا على تحويل التقلبات العالمية إلى فرص."

وأضاف أن تعافي القطاع الزراعي والأداء الصناعي يشكلان قاعدة صلبة للاستقرار:"الأمطار الغزيرة في الربيع أنعشت إنتاج الحبوب بنسبة 35%، مما رفع النمو إلى 4.4%. المغرب يُرسّخ نموذج نمو مزدوج — داخلي وخارجي — قائم على التنويع الصناعي والاندماج في سلاسل القيمة العالمية."

كما يستفيد المغرب من استثمار عمومي قوي يناهز 320 مليار درهم سنويًا، ومن جاذبية متزايدة للمستثمرين الأجانب، حيث بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر نحو 5.8 مليارات دولار بين 2024 و2025، أي بزيادة 43%.

وتُساهم هذه الديناميات في دعم المشاريع الكبرى المرتبطة بكأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030، التي من المنتظر أن تكون محركًا للاستثمار الخاص وتحديث البنية التحتية.

طلب داخلي متجدد

تؤكد بيانات المندوبية السامية للتخطيط (HCP) هذا التوجه، حيث يُتوقع أن تبلغ نسبة النمو 4.7% في الربع الرابع من 2025، مدفوعة بـارتفاع استهلاك الأسر بنسبة 4.4% وزيادة الاستثمار بـ12.6%.
ولا يزال قطاع الخدمات المحرك الرئيسي للنمو (+4.7%)، يليه القطاع الصناعي (+4.4%) وقطاع البناء. أما الزراعة، فرغم تبعيتها للظروف المناخية، فقد استفادت هذا العام من ظروف مواتية.

وتعكس هذه الحيوية عودة الثقة الاقتصادية، إذ ساهم ارتفاع الأجور في القطاعين العام والخاص، إلى جانب خفض الضريبة على الدخل، في دعم القدرة الشرائية وتنشيط الطلب الداخلي.

لكن، خلف هذه الأرقام المشجعة، تبرز مؤشرات تدعو إلى الحذر، فسوق العمل لا يزال يمثل نقطة ضعف رئيسية في النموذج المغربي، حيث بلغت نسبة البطالة 13.1%، فيما كل نقطة نمو لا تخلق سوى نحو 30 ألف وظيفة فقط، حسب عبد الغني يومني، الذي يضيف: "هذا عدد ضئيل جدًا لامتصاص حوالي 500 ألف وافد جديد إلى سوق الشغل كل سنة. هناك 1.8 مليون شاب دون عمل أو تكوين، وهو خطر اجتماعي كبير."

ويؤكد الخبير أن الحل يكمن في إصلاح جذري لمنظومة التكوين:"جامعاتنا ما تزال تُكوّن لأعمال الماضي. يجب إرساء نظام حقيقي للتناوب بين الدراسة والعمل، وتشجيع المهن التقنية، وتسريع وتيرة إدماج النساء في سوق العمل، إذ لا تتجاوز نسبة مشاركتهن 21%."

ويبقى ضعف الإنتاجية من التحديات الكبرى، إذ تتقدم ببطء، حيث يؤكد صندوق النقد الدولي على ضرورة تحسين مناخ الأعمال والحكامة العامة، في حين يواصل القطاع غير المهيكل – الذي يمثل قرابة ثلث الناتج المحلي الإجمالي – تشويش القراءة الحقيقية لأداء الاقتصاد الوطني.