لماذا يتأخر التحول الهيكلي؟.. خبير دولي يقارن المغرب بتركيا وآسيا الصاعدة

الاقتصاد الوطني - 24-12-2025

لماذا يتأخر التحول الهيكلي؟.. خبير دولي يقارن المغرب بتركيا وآسيا الصاعدة

اقتصادكم - أسامة الداودي


في ظل التحولات الجيو-اقتصادية العميقة التي يشهدها العالم، وتزايد حدة التنافس بين الاقتصادات الناشئة على جذب الاستثمار وتعزيز الصمود، يبرز سؤال موقع المغرب داخل خريطة اقتصادات الشرق الأوسط وإفريقيا بوصفه رهانا استراتيجيا ذا أبعاد تنموية وسيادية.

وفي هذا الصدد، أكد الخبير الاقتصادي الدولي الحسن عاشي في تصريح لموقع "اقتصادكم" أن المغرب يتمتع، مقارنة بعدد من الاقتصادات غير النفطية في المنطقة مثل مصر وتونس، بدرجة أعلى من الاستقرار الماكرو-اقتصادي والمؤسساتي، وهو عنصر قوة أساسي في سياق عالمي يتسم بتزايد عدم اليقين وتكاثر الصدمات، غير أن هذا الاستقرار لم يتحول بعد إلى رافعة كافية لتحقيق نمو مرتفع ومستدام.

وأفاد الخبير الاقتصادي الدولي بأن التحدي الحقيقي المطروح أمام الاقتصاد المغربي اليوم يتمثل في القدرة على تحويل هذا الاستقرار النسبي إلى دينامية تحول هيكلي فعلي، تقوم على تعزيز الإقلاع الصناعي ورفع مستويات الإنتاجية، بدل الاكتفاء بإدارة التوازنات الكبرى دون إحداث قفزة نوعية في وتيرة النمو.

وذكر أن المقارنة مع اقتصادات أكثر دينامية، مثل تركيا أو بعض بلدان آسيا كفيتنام وإندونيسيا، تبرز أن التنافسية لا تحسم بالاستقرار وحده، بل بقدرة الاقتصاد على توسيع قاعدته الصناعية، وتعميق نسيجه الإنتاجي، وخلق قيمة مضافة مرتفعة تشكل أساسا مستداما للنمو وخلق فرص الشغل.

وأبرز الخبير الاقتصادي الدولي أن المغرب حقق تقدما ملحوظا في مجال التصنيع المرتبط بسلاسل القيمة العالمية، غير أن هذا التنويع ظل في معظمه عموديا داخل قطاعات محددة تقودها شركات متعددة الجنسيات، دون أن يواكبه اندماج أفقي واسع للنسيج المحلي، خاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة.

واسترسل عاشي قائلا إن هذا النمط من التنويع يفسر الفارق القائم مع دول مثل فيتنام، التي نجحت في بناء قاعدة تصديرية أكثر تشعبا، ومع تركيا التي تتوفر على نسيج صناعي محلي أعمق وأكثر قدرة على التكيف والصمود أمام التقلبات الاقتصادية العالمية.

كما أورد أن المغرب يحسب له حفاظه على استقرار مالي ونقدي نسبي، وقدرته على تعبئة أدوات وقائية مهمة، مثل الاحتياطيات، والولوج المنتظم إلى الأسواق المالية الدولية، وخطوط التمويل الوقائية، إلى جانب اعتماد إصلاحات تدريجية ساهمت في امتصاص عدد من الصدمات الخارجية.

وشدد الخبير الاقتصادي الدولي على أن هذا الصمود، رغم أهميته، يظل مكلفا من حيث النمو، إذ ما يزال الاقتصاد المغربي شديد الحساسية للعوامل المناخية وتقلبات أسعار الطاقة والظرفية الدولية، ما يجعل مساره أقرب إلى نموذج الاستقرار منخفض النمو مقارنة بدول نجحت في الجمع بين الصمود وتسريع وتيرة التوسع الاقتصادي.

وأوضح أن جوهر الإشكال في الحالة المغربية لا يكمن في غياب القطاعات الحديثة أو المشاريع الكبرى، بل في بطء انتقال الاقتصاد من أنشطة ضعيفة الإنتاجية، مثل الزراعة التقليدية وبعض الخدمات البسيطة، إلى أنشطة أكثر إنتاجية وقدرة على المنافسة، كالصناعة الحديثة والخدمات القابلة للتصدير.

وتطرق المتحدث ذاته إلى أن هذا التحول الهيكلي قد انطلق بالفعل، لكنه يتم بوتيرة أبطأ من المطلوب، ولا ينجح في خلق فرص شغل كافية تتناسب مع حجم الطلب في سوق العمل، خاصة في صفوف الشباب المتعلم وحاملي الشهادات العليا.

وأشار إلى أن نتيجة هذا الخلل البنيوي تتمثل في استمرار معدلات البطالة المرتفعة بين الكفاءات، في مقابل تركّز خلق فرص الشغل في أنشطة تعتمد على يد عاملة غير مؤهلة أو متوسطة التأهيل، ما يحد من أثر النمو على تحسين مستويات العيش.

وأضاف عاشي أن هذا الوضع يدفع عددًا متزايدًا من الشباب المؤهل إلى البحث عن فرص خارج البلاد، بدل أن يشكلوا رافعة داخلية أساسية للنمو والتحول الهيكلي، وهو ما يطرح تحديًا استراتيجيًا حقيقيًا أمام السياسات الاقتصادية والتنموية في المغرب.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن تجاوز هذه المعضلة يقتضي تسريع وتيرة التحول الإنتاجي، وتعميق الاندماج المحلي، وربط الاستقرار الماكرو-اقتصادي بسياسات صناعية وتعليمية وتشغيلية قادرة على تحويل الإمكانات المتاحة إلى نمو شامل ومستدام.