اقتصادكم- عبد الصمد واحمودو
لم تسلم بطولة كأس إفريقيا للأمم من نشاط المضاربين، الذين استغلوا تنظيم المملكة لهذا الحدث الكروي القاري من أجل تحقيق أرباح غير مشروعة من خلال المتاجرة في تذاكر المباريات، خاصة تلك الخاصة بالمنتخب المغربي، حيث سجلت السوق السوداء حضورا قويا خلال المباراة الافتتاحية لـ“الكان”، التي جمعت بين المنتخب المغربي ونظيره جزر القمر.
وكان تأثير السوق السوداء على الحضور الجماهيري في المباراة الافتتاحية للنسخة الـ35 من كأس إفريقيا للأمم واضحا، من خلال آلاف المقاعد الشاغرة في الملعب، مقابل وجود طلب كبير على تذاكر المباراة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. غير أن المضاربة في أسعار التذاكر دفعت العديد من الجماهير الراغبة في متابعة اللقاء من المدرجات إلى العدول عن الفكرة، ما خلف موجة استنكار واسعة وسخطا كبيرا بسبب جشع المضاربين.
فتح أبحاث قضائية بعد الواقعة
وفي هذا السياق، أفاد بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني أن مصالح الشرطة القضائية التابعة لها فتحت أبحاثا قضائية، تحت إشراف النيابات العامة المختصة، للتحقيق في أفعال إجرامية مرتبطة بنشاط السوق السوداء لتذاكر مباريات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم “المغرب 2025”.
وأوضح البلاغ أنه جرى فتح هذه الأبحاث للتحقق من الأفعال الإجرامية المنسوبة إلى ثمانية أشخاص، يشتبه في تورطهم في المضاربة بتذاكر مباريات كأس إفريقيا للأمم، التي تُجرى منافساتها حاليا بالمملكة المغربية.
وأضاف المصدر ذاته أن هذه الأبحاث جاءت عقب رصد مصالح اليقظة المعلوماتية للأمن الوطني مجموعة من الإعلانات والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، تعرض تذاكر مباريات البطولة للبيع بطرق غير مشروعة. وقد مكنت التحريات التقنية والأبحاث الميدانية من تحديد هوية المشتبه فيهم المتورطين في هذه الأفعال.
ومكنت العمليات الأمنية المنفذة بكل من الرباط وتمارة وأكادير وسلا ومراكش والمحمدية من توقيف المشتبه فيهم، في إطار تدخلات منسقة تروم محاربة جميع أشكال المضاربة التي تمس بتنظيم المنافسات الرياضية.
وقد جرى إخضاع الأشخاص الموقوفين للبحث القضائي الجاري تحت إشراف النيابة العامة المختصة، من أجل الكشف عن كافة ظروف وملابسات وخلفيات هذه القضايا، في وقت تتواصل فيه الأبحاث والتحريات لتوقيف باقي المتورطين المحتملين.
معالجة الاختلالات بدل إخفائها
وارتباطا بالموضوع، قال زكرياء العطوش، المستشار في التدبير الرياضي وحكامة المنشآت الرياضية، في تصريح لـ "اقتصادكم"، إن تنظيم كأس أمم إفريقيا بالمغرب عرف نجاحا كبيرا على مستوى البنية التحتية، والجاهزية الأمنية، والتنظيم داخل الملاعب، وهو ما نال إشادة واسعة من الاتحادات الإفريقية والجماهير.
وأوضح العطوش أن هذا النجاح خلق إقبالا جماهيريا استثنائيا وغير مسبوق على اقتناء التذاكر، خاصة خلال المباريات الكبرى ومباريات المنتخب الوطني، حيث فاق الطلب بشكل كبير الطاقة الاستيعابية للملاعب والمنصات الرقمية المعتمدة.
وأضاف أن هذا الضغط الجماهيري أفرز محاولات محدودة لاستغلال الوضع، من خلال إعادة بيع التذاكر خارج القنوات الرسمية، مستفيدة من سرعة نفادها ومن بعض الثغرات المرتبطة بإعادة التداول الإلكتروني، وهو ما تجسد في انتشار إعلانات غير قانونية على مواقع التواصل الاجتماعي تعرض التذاكر بأثمنة مضاعفة، الأمر الذي أثار استياء الجماهير ودفع السلطات إلى التدخل الفوري.
وأكد المتحدث أن تعامل الدولة مع هذا الوضع كان واضحا وحازمًا، من خلال فتح تحقيقات قضائية وتوقيف عدد من المتورطين في مدن مختلفة، في رسالة قوية مفادها أن نجاح التنظيم لا يمكن أن يُشوَّه بممارسات فردية معزولة. واعتبر أن هذا التدخل السريع يعكس نجاعة المنظومة الأمنية والرقابية، وحرصها على حماية حقوق المشجعين وضمان تكافؤ الفرص في الولوج إلى الملاعب.
وأشار العطوش إلى أن ما وقع خلال “الكان” يؤكد أن المغرب انتقل إلى مرحلة متقدمة في تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى، حيث يتم التعامل مع الاختلالات بشفافية ومسؤولية، ليس بإخفائها، بل بتصحيحها ومعالجتها. كما أبرز وعي الدولة بأهمية تطوير منظومة بيع التذاكر مستقبلًا عبر حلول تقنية أكثر تطورًا، دون المساس بالصورة الإيجابية العامة لتنظيم كأس إفريقيا، الذي وصفه بالناجح بكل المقاييس.
الصيد في الماء العكر
ومن جانبه، تفاعلا مع نشاط السوق السوداء خلال كأس إفريقيا للأمم، قال علي شتور، رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المستهلك، إن المغرب يحتضن بكل فخر تظاهرة كروية قارية كبرى، بتنظيم محكم يعكس قدرة المملكة على احتضان التظاهرات الدولية الكبرى، ويبرز صورة المغرب كبلد للضيافة وحسن الاستقبال.
وأضاف شتور أنه “مع الأسف، تم تسجيل بعض السلوكيات غير المسؤولة الصادرة عن فئة قليلة، تحاول استغلال هذا الحدث الرياضي عبر الصيد في الماء العكر، من خلال مواقع إلكترونية غير رسمية وغير مرخصة من طرف وزارة الصناعة والتجارة، تقوم بالنصب والاحتيال على المستهلك المغربي والأجنبي، عبر بيع تذاكر مزورة أو غير صالحة”.
واستنكر المتحدث لجوء بعض السماسرة إلى بيع التذاكر في السوق السوداء بأثمنة خيالية، في خرق سافر للقانون واستغلال واضح لحب الجماهير لكرة القدم، بهدف تحقيق أرباح سريعة وغير مشروعة على حساب المستهلكين، مؤكدا أن هذه الأفعال تتنافى صراحة مع مقتضيات القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك، والذي يجرم كل أشكال الغش والتدليس والاستغلال.
ودعا شتور المستهلكين إلى توخي الحيطة والحذر، وعدم اقتناء التذاكر إلا من القنوات الرسمية والمعتمدة، مطالبا الجهات المختصة بتكثيف المراقبة والزجر في حق جميع المتورطين في هذه الممارسات غير القانونية.
ولفت علي شتور، إلى استعداد الجمعية للتبليغ والتنسيق مع السلطات المعنية من أجل حماية حقوق المستهلك وضمان مرور هذه التظاهرة القارية في أجواء من النزاهة والفرح والمسؤولية، مشددا على أن حماية المستهلك مسؤولية جماعية، وأن إنجاح هذا العرس الكروي واجب وطني يعكس الوجه الحقيقي للمغرب.