اقتصادكم - نهاد بجاج
رسخ المغرب موقعه الريادي في سوق الطاقات المتجددة الإفريقية، بفضل رؤية استراتيجية مبكرة تبناها منذ سنة 2009، جعلته اليوم ضمن الدول الأكثر التزاما بمسار الانتقال الطاقي في القارة، بحسب ما أكده عبد العالي الطاهري، الخبير في الطاقات المتجددة والهندسة البيئية.
وفي هذا الاتجاه تحدث الخبير، في حوار لموقع "اقتصادكم"، عن موقع المغرب في القارة وعن رهانات المرحلة المقبلة في ظل التحولات المناخية والطاقية، وعن آفاق الشراكات مع أوروبا لتعزيز التموقع الإفريقي للمملكة.
كيف تقيمون موقع المغرب اليوم في سوق الطاقات المتجددة الإفريقية؟
سؤالكم مفتوح ويحمل العديد من القراءات، لكن إذا تحدثنا في إطار تقييم واقعي، فإن المملكة المغربية ومنذ أكثر من عقدين قطعت أشواطا جد مهمة في ميدان الطاقات المتجددة والتنمية المستدامة.
فمنذ سنة 2009، أطلقت المملكة الاستراتيجية الوطنية للطاقات المتجددة والتنمية المستدامة تحت الإشراف المباشر لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وهي رؤية تمتد إلى أفق سنة 2030، وتشرف على تنفيذها بتنسيق مؤسساتي كل من وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ووزارة التجهيز والماء ووزارة الفلاحة.
ويعتبر المغرب من الدول الرائدة إفريقيا وعالميا في إنتاج الكهرباء من مصادر نظيفة، من خلال مشاريع كبرى مثل مجمع نور بورزازات (نور 1 و2 و3 و4)، إلى جانب تطوير محطات الرياح في طرفاية والصويرة ومناطق أخرى، ما يعكس التزاما واضحا بالتحول نحو اقتصاد طاقي مستدام.
كيف ساهمت هذه الاستراتيجية في مواجهة التحديات المناخية، خاصة الجفاف وندرة المياه؟
أظن أن الطاقة المتجددة أصبحت جزءا من منظومة بيئية شاملة تهدف إلى التكيف مع التغيرات المناخية التي يشهدها المغرب منذ سبع سنوات من الجفاف المتواصل.
بالإضافة إلى أن المملكة أطلقت حوالي 20 محطة لتحلية مياه البحر، جزء منها مخصص لتزويد السكان بالماء الصالح للشرب، والآخر موجه للري والصناعات، خصوصا الصناعات الفوسفاطية، كما يتوفر المغرب على 158 محطة لمعالجة المياه العادمة تستخدم في سقي المناطق الخضراء والملاعب الرياضية، بعدما كان يتم ذلك سابقًا بالماء الصالح للشرب.
هذه المشاريع تترجم إرادة سياسية واضحة في ترسيخ الحكامة المائية والطاقية، مدعومة بترسانة قانونية ودستورية متقدمة، جعلت المغرب من بين الدول القليلة التي خصصت بابا كاملا في دستورها لقضايا البيئة والتنمية المستدامة.
ما هي الآفاق المستقبلية لقطاع الطاقات المتجددة في المغرب وإفريقيا؟
بالنسبة للأفق فهي واعدة جدا، إذ أن المغرب دخل مرحلة جديدة تركز على البحث العلمي والتكوين الجامعي في مجالات الطاقة والبيئة، عبر إحداث برامج في الإجازة والماستر والدكتوراه موجهة نحو البحث في الطاقات النظيفة.
وهذا التوجه سيسهم في بناء جيل من الكفاءات الوطنية والإفريقية القادرة على مواكبة التحولات الطاقية الكبرى، إذ أن المغرب منخرط بجدية في التخلص التدريجي من الطاقات الأحفورية، التزاما منه بالاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاق باريس للمناخ (2015).
إلى أي مدى يمكن للشراكات مع أوروبا أن تعزز تموقع المغرب داخل السوق الإفريقية؟
إن الشراكة الخضراء بين المغرب والاتحاد الأوروبي تعد من أبرز النماذج الناجحة في التعاون الدولي في مجال الطاقات المتجددة، فهي شراكة مرجعية جعلت من المملكة آلية للوساطة الاقتصادية والتنموية بين أوروبا وإفريقيا، من خلال جذب الاستثمارات إلى القارة في إطار مقاربة رابح – رابح.
بالإضافة إلى أن المغرب لا يتعامل مع إفريقيا بعقلية تجارية بحتة، بل من منطلق تنموي تضامني، هدفه نقل الخبرة والاستثمار في النمو الإفريقي، عوض النظر إلى القارة كمجرد خزان للمواد الأولية.
وهذا النهج يجعل المغرب صوتا إفريقيا فاعلا ومدافعا عن مصالح القارة في المنتديات الدولية، وممهدا لنموذج جديد من التعاون الأخضر جنوب – شمال يقوم على العدالة المناخية والتنمية المشتركة.
في الختام، كيف يمكن تلخيص موقع المغرب في السوق الإفريقية للطاقات المتجددة اليوم؟
المغرب اليوم يحتل موقعا متقدما قاريا بفضل استراتيجيته الشمولية التي تجمع بين التحول الطاقي، الأمن المائي، البحث العلمي، والحكامة البيئية.
وأرى أن المملكة تمثل نموذجا إفريقيا رائدا في الانتقال الطاقي، وأنها مؤهلة لتصبح قاطرة للتعاون الإقليمي في مجال الطاقات النظيفة، سواء عبر مشاريع الكهرباء الخضراء أو عبر الشراكات الصناعية المرتبطة بالهيدروجين الأخضر.