تهديدات رقمية متصاعدة والقطاع المالي في مرمى الهجمات السيبرانية

آخر الأخبار - 15-10-2025

تهديدات رقمية متصاعدة والقطاع المالي في مرمى الهجمات السيبرانية

اقتصادكم

 

تجعل الطبيعة المتسارعة والمتطورة للتهديدات الرقمية من الأمن السيبراني ركيزة لا غنى عنها لثقة الفاعلين في الاقتصادات العالمية، ومع اشتداد الاعتماد على الخدمات الإلكترونية المالية، يصبح بناء منظومة متكاملة للوقاية والرصد والاستجابة أمراً استراتيجياً لحماية الاقتصاد وصون مصداقية المؤسسات أمام المواطنين والشركاء الدوليين. 

ومع التحول الرقمي المتسارع للقطاع المالي في المغرب، ارتفعت وتيرة المخاطر السيبرانية لتصبح تهديداً مباشراً ليس فقط للمؤسسات البنكية والمالية، بل أيضا لثقة المواطنين والمستثمرين واستقرار الاقتصاد الوطني. 

هجمات مركبة وتقنيات متطورة

ويرى الخبير عبد الجليل صاديق، المتخصص في استراتيجية وحكامة منظومات المعلومات ومكافحة الجرائم الرقمية والذكاء الاصطناعي، في حوار مع "Finances news hebdo"، أن الهجوم السيبراني لم يعد عبارة عن عملية استغلال ثغرة معزولة بل بات سيناريوهات مُعَقّدة تُحضّر سلفاً: رسائل تصيّد (phishing) عبر الرسائل النصية، مواقع أو تطبيقات بنكية مزيفة، وحيل تقنية تهدف إلى اختراق حسابات المستخدمين وسرقة بياناتهم. وذكر الخبير بمثال عملي لحادثة عام 2023 استُخدمت فيها رسائل نصية مزيفة ومواقع إلكترونية احتيالية لخداع زبائن أحد البنوك والحصول على معطيات دخولهم.

وفي مارس 2025، كشفت شركة Cypherleak عن «تسريب ضخم» لأكثر من 31 ألف معرّف بنكي مغربي عرضت للبيع في الشبكات، من بينها حوالي 5,500 بطاقة ما زالت صالحة وقابلة للاستغلال، مما يبين مستوى الضعف والتعرض الفعلي.

الذكاء الاصطناعي يغير قواعد اللعبة

تتسارع المخاطر مع انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تخفض كلفة الهجمات وتزيد من سرعتها ودقتها، فتسمح بصياغة هجمات اجتماعية متقنة وخدع آلية قادرة على تجاوز آليات الحماية التقليدية. ووفقاً لتقارير عالمية، فإن متوسط تكلفة خرق البيانات في القطاع المالي عام 2023 بلغ حوالى 5.9 مليون دولار، وهو رقم يزيد بنحو 33% عن متوسط القطاعات الأخرى، بينما قد تصل تكلفة هجوم ناجح في القطاع المالي الإفريقي إلى 3.5 ملايين دولار، بحسب مصادر متخصصة.

أرقام مقلقة داخل المغرب

تؤكد الإحصاءات المحلية ارتفاعاً ملحوظاً في محاولات الاختراق، فقد سجل المغرب 6.4 ملايين محاولة تصيد عام 2024، بالإضافة إلى 644 هجوماً مستهدفاً تطلّبت تدخل فرق الأمن السيبراني بشكل مباشر، وفق بيانات رسمية أعلن عنها وزير مكلف. وهذه الحصيلة تترجم إلى شركات موقوفة أو متعثّرة، وانعكاسات سلبية على صورة النظام المالي أمام المجتمع والمستثمرين.

وأضاف المتخدث ذاته أن الأمن السيبراني تجاوز كونه قضية تقنية محضة ليصبح عنصراً أساسياً في استراتيجيات الثقة الاقتصادية. فتعطّل نظام دفع أو اختراق مؤسسة مالية كبرى قد يطلق سلسلة آثار دومينو تمتد لتطال ثقة الزبناء، وتُؤثر على الاستثمارات وتزعزع الاستقرار المالي. كما يشير إلى خطر الاعتماد على عدد محدود من مزوّدي الخدمات: ثغرة واحدة لدى مزوّد حيوي قد تفتح الباب أمام هجوم واسع النطاق.

مقاربة وطنية ومقترحات للتعزيز

واعتبر الخبير أن المغرب بحاجة إلى مقاربة شاملة لتعزيز «المرونة الرقمية»، ترتكز على محاور رئيسية منها تقنين وإحكام إدارة المزودين الخارجيين وحكامتهم؛ توسيع برامج التكوين والتأهيل لفرق الأمن السيبراني داخل المؤسسات؛ تطوير أدوات وطنية للرصد والاستجابة للحوادث السيبرانية؛ زيادة الوعي والتثقيف لدى المواطنين للعملاء حول مخاطر التصيّد والطرق الوقائية؛ وتعزيز التعاون الإفريقي والدولي لتبادل المعلومات وبناء قدرات مشتركة.

كما أضاف صاديق أن الطموح المغربي يجب ألا يقتصر على الحماية فحسب، بل يتجه ليجعل من المملكة مرجعية إقليمية في الأمن السيبراني، ومتصدّراً للحلول والخدمات في القارة، بما ينسجم مع سعيها لأن تصبح «محوراً رقمياً» في إفريقيا.