اقتصادكم-حنان الزيتوني
تتجه الأنظار مجددا نحو قطاع التعليم بعد الإعلان عن زيادة غير مسبوقة في ميزانيته ضمن مشروع قانون المالية الجديد، في خطوة تبرز الرغبة الجادة في جعل إصلاح المنظومة التربوية أولوية وطنية، واستثمارا استراتيجيا في العنصر البشري باعتباره الأساس لتحقيق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية.
وفي هذا السياق، عبر مصطفى الأسروتي، عضو الجامعة الوطنية لموظفي التعليم، عن إشادته بالقرار قائلا: "لا يمكن إلا التنويه والإشادة بهذا القرار المتعلق برفع ميزانية التعليم والصحة، لأنه يعكس الأهمية التي تحظى بها القطاعات الاجتماعية التي تمس مباشرة حياة المواطنين والمواطنات، كما أنه استجابة واضحة للمطالب الشعبية الرامية إلى تحسين وضعية هذين القطاعين الحيويين".
وحذر الأسروتي في اتصال مع "اقتصادكم" من الاكتفاء بالرفع الكمي للميزانية دون مواكبة ذلك بإصلاح حقيقي في أساليب التدبير، مذكرا بتجارب سابقة لم تحقق النتائج المرجوة رغم الإمكانيات الضخمة المرصودة، حيث قال: "لقد عرف قطاع التعليم في فترات سابقة، خاصة خلال برنامج المخطط الاستعجالي، ميزانية هائلة، لكن المنظومة افتقدت آنذاك للحكامة اللازمة في التدبير، وهو ما أدى إلى ضياع مليارات الدراهم دون أثر ملموس على مستوى الجودة أو المردودية، في ظل غياب المحاسبة".
وأكد المهني في قطاع التعليم أن التحدي الحقيقي اليوم ليس في حجم الميزانية، بل في كيفية صرفها وتوظيفها لخدمة أهداف واضحة قابلة للقياس، معتبرا أن نجاح الإصلاح رهين بقدرة الحكومة على إحكام الحكامة وربط التمويل بالنتائج.
وأضاف الأسروتي أن أولوية المرحلة يجب أن تنصب على تحسين جودة التعلمات ورفع مستوى التحصيل الدراسي وتنمية الكفايات والمهارات الأساسية للتلاميذ، إلى جانب مكافحة ظاهرة الهدر المدرسي التي تعرف منحى تصاعديا مقلقا في السنوات الأخيرة.
كما شدد على ضرورة توفير بنية تحتية تعليمية حديثة ومجهزة، تضمن شروط تعلم لائقة، مع تحقيق العدالة المجالية بين الوسطين الحضري والقروي حتى لا يبقى موقع التلميذ محددا لمستقبله الدراسي.
وأشار الأسروتي إلى أن أي إصلاح حقيقي للمدرسة المغربية لا يمكن أن يتحقق دون الارتقاء بالموارد البشرية، داعيا إلى إعادة الاعتبار لنساء ورجال التعليم عبر معالجة الملفات العالقة، وفي مقدمتها التعويض التكميلي، وتقليص ساعات العمل، وتحسين أوضاع العاملين في العالم القروي.
وفي هذا الصدد، ثمن المتحدث ارتفاع عدد مناصب التوظيف في قطاع التعليم منذ سنة 2016، لكنه دعا إلى إدماجها ضمن مناصب مركزية دائمة في إطار قانون المالية الجديد، بغرض القضاء النهائي على نظام التوظيف الجهوي أو التعاقد الذي لا يزال يثير الجدل داخل المنظومة التربوية.
وأكد الأسروتي أن رفع ميزانية التعليم يشكل فرصة تاريخية لإعادة بناء الثقة في المدرسة العمومية، شريطة أن ترافقه إرادة حقيقية في الإصلاح، قائمة على الشفافية والمحاسبة وربط المسؤولية بالنتائج، حتى يتحول الاستثمار المالي إلى استثمار في الإنسان والمستقبل.