التفاوتات المجالية.. أحد أكبر التحديات التي تواجه المغرب

ملفات خاصة - 22-09-2025

التفاوتات المجالية.. أحد أكبر التحديات التي تواجه المغرب

اقتصادكم

 

من بين 12 جهة، تستحوذ 3 جهات فقط على أكثر من نصف الثروة الوطنية وهو واقع يتطلب تغييره بشكل عاجل من أجل تلبية احتياجات جميع شرائح المجتمع. في إطار فرضية طموحة بتحقيق نمو بنسبة 4.5%، مدعومة بمستويات عالية من الاستثمارات العمومية، تبرز المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لسنة 2026 أولوية تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية في مجال خلق الثروة والتنمية.

يمثل هذا التوجه ركيزة أساسية في مسار الإقلاع الاقتصادي للمغرب، ويندرج ضمن رؤية ملكية واضحة المعالم. فعلى الرغم من تسجيل الاقتصاد الوطني لنتائج إيجابية عامة على الصعيد الوطني منذ سنوات، إلا أن الواقع يكشف عن عدم استفادة جميع الجهات بنفس الدرجة من هذه الدينامية.

وحسب الحسابات الجهوية للمندوبية السامية للتخطيط، فإن ثلاث جهات فقط — وهي الدار البيضاء-سطات، الرباط-سلا-القنيطرة، وطنجة-تطوان-الحسيمة — تساهم بـ58.5% من الناتج الداخلي الخام على المستوى الوطني. وتُشكّل هذه الجهات الثلاث مجتمعة الجزء الأكبر من الثروة الوطنية، مقابل مساهمة لا تتجاوز 41.5% لباقي الجهات التسع.

وأوضح الخبير في الاقتصاد النقدي رشيد الفقير، أن هذا التمركز الجهوي ليس عشوائيًا حيث يتسم الاقتصاد الوطني بوجود تفاوتات ترابية كبيرة، مع تركيز قوي لخلق الثروة على المحور الأطلسي، نتيجة عوامل تاريخية وجغرافية واقتصادية سمحت ببروز ثلاثة أقطاب اقتصادية رئيسية.

فقد برزت الدار البيضاء مبكرًا كعاصمة اقتصادية بفضل بنيتها التحتية المينائية والمالية، فيما استفادت الرباط من وضعها كعاصمة سياسية وإدارية، أما طنجة، فقد فرضت نفسها كبوابة تجارية نحو أوروبا وإفريقيا، خاصة بفضل ميناء طنجة المتوسط.

لكن الجانب السلبي لهذا النموذج يتمثل في وجود اقتصاد وطني بسرعتين: جهات متقدمة وجهات متأخرة. فبعض الجهات، مثل الجهة الشرقية وبني ملال-خنيفرة، تجد صعوبة في مجاراة وتيرة النمو، بل سجلت نموًا سلبيًا سنة 2023. وتشير معطيات المندوبية إلى أن الفجوة بين الجهات في خلق الثروة اتسعت، مما فاقم الفوارق الاقتصادية والاجتماعية.

ويبرز هذا التفاوت في مستوى المعيشة، حيث يُنفق كل أسرة في جهة الدار البيضاء-سطات حوالي 29.000 درهم سنويًا، مقابل 17.000 درهم فقط في جهة درعة-تافيلالت.

مشروع قانون المالية 2026 أمام تحدي العدالة المجالية

في ظل إدراك الحكومة لهذه التفاوتات، جعلت من العدالة المجالية محورًا أساسيًا في المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لسنة 2026. ويشمل هذا التوجه مواصلة مشاريع البنية التحتية الكبرى لفك العزلة عن الجهات الهشة، مثل ميناء الناظور غرب المتوسط وتطوير ميناء الداخلة الأطلسي وإنشاء ممرات طرقية جديدة.

وأكد رشيد الفقير، في تصريح لجريدة "فينونس نيوز" على ضرورة اعتماد سياسات عمومية لإعادة التوازن المجالي، مشيرًا إلى أن الدولة تراهن كذلك على الصناعات الغذائية في المناطق الفلاحية والسياحة المستدامة في المناطق الجبلية أو الصحراوية والطاقات المتجددة في الأقاليم الجنوبية. ويرى الخبير أن نجاح هذا الورش يتطلب تكاملًا بين الاستثمارات العمومية والخاصة.

كما يركز مشروع قانون المالية لسنة 2026 على الرأسمال البشري، من خلال تعميم المدارس الرائدة وتطوير مدن المهن والكفاءات وذلك للحد من هجرة الأطر والطاقات نحو الأقطاب الكبرى.

وفي ما يتعلق بالحلول المقترحة لتقليص التفاوتات، يطرح بعض الخبراء فكرة تبني سياسات مالية ونقدية خاصة بكل جهة، إلا أن الفقير يخفف من الحماس لهذا الطرح، موضحًا أن السياسات المالية الجهوية تواجه عدة عراقيل، خاصة على مستوى الموارد والحكامة. أما فكرة سياسات نقدية مختلفة حسب الجهة، فيراها "غير قابلة للتطبيق" في المغرب، لكنه يقترح أن يقوم بنك المغرب بربط عمليات إعادة التمويل البنكي بتوجيه القروض نحو المناطق المهمشة.

العدالة المجالية: شرط لاستدامة النمو

في ظل استمرار جهات الدار البيضاء، الرباط وطنجة في دفع عجلة الاقتصاد الوطني، هناك خطر حقيقي من تعميق الإحساس بالإقصاء لدى الجهات الأخرى.

يفتح مشروع قانون المالية لسنة 2026 نافذة للتصحيح، لكن المعركة الحقيقية ستكون على أرض الواقع. فبين الطموح والتنفيذ، تبقى مهمة تقليص الفوارق المجالية من أكبر التحديات التي تواجه المغرب في السنوات المقبلة.