الربط الكهربائي المغربي-الموريتاني.. جسر قاري يتخطى الطاقة لتطوير الاقتصاديات الأفريقية

ملفات خاصة - 27-01-2025

الربط الكهربائي المغربي-الموريتاني.. جسر قاري يتخطى الطاقة لتطوير الاقتصاديات الأفريقية


اقتصادكم - نهاد بجاج

في خطوة تعكس تطور العلاقات الثنائية بين المغرب وموريتانيا، وقع البلدان مذكرة تفاهم لتطوير التعاون في قطاعي الكهرباء والطاقات المتجددة، هذا الاتفاق الذي أُعلن عنه في العاصمة الرباط، يفتح آفاقًا جديدة لتعزيز الأمن الطاقي وتحقيق التنمية المستدامة، بما يجسد رؤية مشتركة بين القيادتين، الملك محمد السادس والرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

تأتي هذه المذكرة في وقت تتزايد فيه التحديات العالمية المتعلقة بالطاقة واستدامتها، وقد أكدت ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ونظيرها الموريتاني، محمد ولد خالد، على أهمية تعزيز التعاون في مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة، المذكرة تشمل مبادرات متعددة، من أبرزها ربط شبكات الكهرباء بين البلدين، وتزويد القرى بالكهرباء، وتطوير مشاريع الطاقات النظيفة، مثل الطاقة الشمسية والريحية، وهو ما يشكّل دعامة لتحقيق أمن الطاقة لموريتانيا وتنويع مصادرها.

الربط الكهربائي بين المغرب وموريتانيا يأتي كأحد أبرز بنود الاتفاق، والذي يمثل تحديًا تقنيًا وماليًا، لكنه يحمل إمكانات هائلة لتعزيز استقرار الشبكات الكهربائية في البلدين. الربط سيسمح بتبادل الكهرباء بين البلدين، مما يوفر حلاً عمليًا للتعامل مع الفائض أو العجز في الإمدادات الطاقية، سيما في ظل التوجه المتزايد نحو الطاقات المتجددة التي تعتمد على موارد طبيعية متغيرة.

ربط كهربائي لتعزيز الأمن الطاقي والتنمية المستدامة

وفي هذا الصدد أوضح محمد اكا، صحفي موريتاني متخصص في مجال الطاقة، أن المغرب يشكل نموذجًا رائدًا في مجال الطاقات المتجددة، خاصة مع مشاريعه العملاقة مثل "نور" للطاقة الشمسية، وأوضح أنه من خلال هذه الاتفاقية، يتيح المغرب خبرته لموريتانيا، ليس فقط على مستوى التقنيات، بل أيضًا في مجالات الإدارة، السلامة الكهربائية، وتطوير الكفاءات البشرية، بالمقابل، تقدم موريتانيا مواردها الطبيعية الغنية وإمكاناتها الكبيرة لاستغلال الطاقات الشمسية والريحية، مما يعزز من فرص النجاح المتبادل.

وأكد اكا، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن هذه الشراكة تتيح فرصاً لتطوير مشاريع طموحة في مجال الطاقات المتجددة، مثل إنشاء محطات طاقة شمسية وريحية متقدمة، فضلاً عن إمكانية الاستفادة من التمويل والتقنيات الحديثة التي تمتلكها الشركات المغربية، كما يمكن لهذه الشراكة أن تسهم في تعزيز البنية التحتية للطاقة النظيفة في موريتانيا، وتوفير فرص عمل جديدة، ودعم جهود البلاد لتحقيق أهدافها المناخية.

فرص وتحديات الربط الكهربائي بين المغرب وموريتانيا

أبرز محمد اكا، أن التحديات التي قد تواجه تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين البلدين هي التحديات التقنية المرتبطة بامتداد الشبكات عبر مسافات طويلة، فضلاً عن الكلفة المالية الكبيرة للمشروع، كما قد تظهر تحديات تتعلق بمواءمة الأطر التنظيمية بين البلدين، وضمان استقرار الإمدادات في ظل التقلبات الجغرافية أو المناخية، مشيرا أن الإرادة السياسية والتعاون الاستراتيجي بين البلدين يمكن أن يسهم في تجاوز هذه العقبات.

وفي سياق استفادة موريتانيا من خبرات المغرب في تطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر، أكد المتحدث ذاته، أن المغرب يعتبر من الدول الرائدة في مجال تطوير الهيدروجين الأخضر بفضل بنيته التحتية المتقدمة واستراتيجياته الواضحة في هذا المجال، إذ يمكن لموريتانيا الاستفادة من هذه الخبرة عبر تبني أفضل الممارسات في تصميم وتنفيذ مشاريع الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى الاستفادة من التعاون في مجال الأبحاث والدراسات المشتركة لاستغلال الإمكانات الهائلة للطاقة الشمسية والريحية في إنتاج الهيدروجين الأخضر.

ومن جهته أكد عبد الصمد ملاوي، خبير في مجال الطاقة، أن الربط الكهربائي مع موريتانيا سيمثل منفذًا ثانيًا للمغرب لتبادل الكهرباء خارجيًا، إلى جانب الربط الحالي مع أوروبا عبر خطين يمران عبر مضيق جبل طارق بقدرة إجمالية تصل إلى 1400 ميغاواط (700 ميغاواط لكل خط)، ويعملان في كلا الاتجاهين، هذا الربط الأوروبي مكّن المغرب من تصدير فائض الكهرباء، خصوصًا في فترات الإنتاج العالي كما كان الحال عند امتلاء السدود وتوفر الطاقة الكهرومائية، وأيضًا من استيراد الكهرباء عند الحاجة، مثلما حدث عندما انقطع الغاز الجزائري المستخدم في توليد الكهرباء، مما اضطر المغرب إلى الاعتماد على الكهرباء الأوروبية لسد العجز الداخلي.

وأكد ملاوي، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن الربط الجديد مع موريتانيا، بسعة تتراوح بين 800 و1000 ميغاواط، سيكون خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن الطاقي المغربي من خلال توفير خيار إضافي للتبادل الكهربائي. كما سيتيح إمكانية تصدير فائض الكهرباء المغربية المنتجة من الطاقات المتجددة إلى موريتانيا أو عبرها إلى دول إفريقية أخرى، مثل السنغال.  

وأبرز المتحدث ذاته، أن هذا المشروع لا يقتصر على التبادل الكهربائي، بل يندرج ضمن رؤية المغرب لتعزيز شراكاته بمنطق رابح-رابح، إذ سيستفيد الطرفان من البنية التحتية الجديدة: المغرب بتعزيز استراتيجيته الطاقية وتوسيع شبكاته، وموريتانيا بتغطية احتياجاتها المتزايدة من الكهرباء لمشاريعها الزراعية والصناعية. علاوة على ذلك، فإن هذا الربط سيدعم مشاريع تنموية مشتركة ويعزز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين في إطار لجنة التعاون المغربي-الموريتاني التي سبق أن أبرمت اتفاقيات شاملة في مجالات عدة، بما في ذلك الكهرباء.

المغرب كمحور استراتيجي للطاقة النظيفة في أفريقيا وأوروبا

أشار  الخبير الطاقي، إلى أن الربط الكهربائي مع موريتانيا سيشكل خطوة محورية لتعزيز التعاون الطاقي بين المغرب ودول العمق الأفريقي، فمن جهة، سيُعزز هذا المشروع التقارب السياسي بين المغرب وموريتانيا من خلال تحقيق مصالح مشتركة ودعم مشاريع مستقبلية تعتمد على الكهرباء، مثل الربط بقطارات كهربائية بين البلدين، أو إنشاء محطات لإنتاج الكهرباء التي ستدعم أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا وأوروبا عبر المغرب وموريتانيا، كما سيساهم في تسريع وتيرة إنجاز هذا الأنبوب والمشاريع المرتبطة به، كالمحطات الكهربائية والبنى التحتية اللازمة لتطوير القطاعات الفلاحية والصناعية والمالية.

ومن جهة أخرى، يتوقع أن يمتد هذا الربط الكهربائي ليشمل الشبكة الكهربائية السنغالية، مما سيساهم في ربط الكهرباء المغربية المولدة من الطاقات المتجددة بالشبكات الأفريقية، وأكد ملاوي، أن المغرب الذي يُتوقع أن يحقق إنتاجًا كبيرًا من الطاقة المتجددة في المستقبل، سيكون في موقع استراتيجي لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء النظيفة، خصوصًا مع القوانين الجديدة التي سنتها المفوضية الأوروبية والتي تفرض ضرائب على المنتجات الإفريقية التي تُنتج باستخدام كهرباء غير نظيفة.

هذا الربط الكهربائي يعزز رؤية المغرب ليكون محورًا استراتيجيًا بين أوروبا والعمق الأفريقي، إذ لن يقتصر دوره على تصدير الطاقة، بل سيصبح جسرًا لتطوير الاقتصاديات الأفريقية، من خلال توفير كهرباء نظيفة تدعم تنافسية المنتجات الأفريقية في الأسواق الأوروبية، مما يسهم في تعزيز التكامل الاقتصادي بين أفريقيا وأوروبا.