بعد زيادة ميزانية الصحة..هل يستعيد المواطن ثقته في القطاع؟

ملفات خاصة - 21-10-2025

بعد زيادة ميزانية الصحة..هل يستعيد المواطن ثقته في القطاع؟

اقتصادكم - محمد بوعزاتي

 

كشف مشروع قانون المالية لسنة 2026، عن زيادة مهمة في ميزانية قطاعي الصحة والتعليم، حيث بلغت 140 مليار درهم بزيادة 16 في المائة عن العام الماضي، مع إحداث 27 ألف منصب شغل جديد. هذا التوجه الحكومي يطرح تساؤلات حول قدرة المنظومة الصحية على تحويل هذه الموارد المالية إلى تحسين فعلي في جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

استجابة إيجابية لكنها تحتاج للتسريع

في قراءته للقرار، يعتبر الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، أن هذه الزيادة تمثل “إشارة مهمة لفهم الحكومة أن المشاريع الكبرى والرؤية الملكية للقطاع تحتاج إلى تسريع في التنزيل”. ويضيف في حديثه لموقع "اقتصادكم" أن “هذه الزيادة تمثل استجابة إيجابية لاحتياجات المواطنين، وتُعد خطوة أساسية نحو المستقبل، رغم أنها ما زالت دون سقف التطلعات”.

غير أن الطبيب يلفت إلى أن انتظارات المواطنين تتجه نحو “سرعة أكبر في تحويل هذه المشاريع إلى واقع ملموس”، مستحضرا وضعية المستشفيات والاحتجاجات التي تعكس تطلعات لوتيرة أسرع في الإنجاز.

مؤشرات تكشف الحاجة للإصلاح

وللتدليل على حجم التحديات، يستحضر حمضي واقع المستشفيات المغربية التي لا تستقطب سوى أقل من 10% من أموال التأمين الإجباري عن المرض، رغم المليارات المصروفة على البنايات والتجهيزات والموارد البشرية. ويفسر ذلك بأن “أغلب المرضى يذهبون للقطاع العام فقط عندما لا تكون لديهم إمكانيات للقطاع الخاص، ليس لأن الخاص أرخص، بل لأنهم يهربون من العام”.

هذا المؤشر، بحسب الدكتور حمضي، يؤكد “ضرورة تحسين العرض الصحي حتى يشعر المواطن فعلا بأن هناك إصلاحا حقيقيا وإرادة لتحسين الخدمات الصحية في المغرب”.

ثلاث ركائز لتحويل الأرقام إلى واقع

ينطلق حمضي من قناعة أن نجاح الاستثمار في القطاع الصحي يتطلب التركيز على ثلاثة محاور أساسية، أولها الموارد البشرية، ويقول: “يمكننا أن نبني مستشفى في سنتين أو ثلاث، لكن العنصر البشري لا يمكن تكوينه بهذه السرعة”، مستحضرا مثال لاعبي المنتخب الوطني الذين لم يُبنَ مستواهم في سنتين، بل عبر سنوات طويلة من التكوين.

ويشدد على ضرورة “تحسين أجور الأطباء والممرضين وظروف عملهم، وتوفير تحفيزات اجتماعية وجبائية”، محذرا من أن “طبيبين يغادران المغرب يوميا نحو الخارج”. ويخلص إلى أنه “إذا بدأنا اليوم في الإصلاح، فلن نرى نتائجه إلا بعد 10 إلى 20 سنة”.

أما المحور الثاني فيتعلق بالحكامة، حيث يستحضر حمضي تصريحات الوزير الأسبق للصحة، خالد آيت الطالب، حول عدم استغلال 80% من المعدات بشكل جيد أو عدم استغلالها نهائياً. ويضيف أن “نسبة إشغال الأسرّة في المستشفيات العمومية ضعيفة بسبب مشاكل في الحكامة”.

ويؤكد الطبيب أن “الموارد محدودة، لكن حتى ما هو موجود لا يُستغل بشكل جيد، والمردودية ضعيفة بسبب مناخ غير ملائم”. من هنا يشدد على أن “معالجة مشكل الحكامة أساسي جدا، لأن الإمكانيات المتاحة مهما كانت محدودة يمكن استغلالها بطريقة أفضل”.

أما المحور الثالث فيتعلق بالرقمنة، حيث يدعو حمضي الحكومة إلى “المضي في رقمنة القطاع الصحي، لأنها تُمكّن من التسريع في الأداء، ومن الشفافية، ومن التقييم الآني، ومن معرفة الحاجات بدقة، وبالتالي تحقيق حكامة أفضل”.

مشاريع طموحة على الأرض

على المستوى العملي، يتضمن مشروع قانون المالية 2026 افتتاح المركزين الاستشفائيين الجامعيين بأكادير والعيون، واستكمال أشغال بناء وتجهيز مركز ابن سيناء بالرباط، ومواصلة أشغال بناء مراكز استشفائية جامعية في بني ملال وكلميم والرشيدية، إضافة إلى إطلاق عملية تأهيل وتحديث 90 مستشفى.

ويبقى الرهان الحقيقي، كما يخلص حمضي، في “القدرة على تحويل هذه الموارد والمشاريع إلى خدمات ذات جودة عالية تستعيد ثقة المواطنين في القطاع العام الصحي، وهو ما يتطلب إصلاحا شاملا يجمع بين الاستثمار المالي والحكامة الجيدة وتثمين الموارد البشرية”.