اقتصادكم-حنان الزيتوني
لا يزال السؤال مطروحا بإلحاح لدى الباعة المتجولين في مختلف مدن المغرب: هل حان الوقت فعلا لدمجهم في الاقتصاد الرسمي ومنحهم الاعتراف القانوني الذي طال انتظاره؟ وبين الأمل في الاستقرار والخوف من المجهول، يعيش هؤلاء الباعة يومياتهم على الهامش، يواجهون الواقع الصعب بوسائل بسيطة، ويحركون بعرباتهم الصغيرة شريانا اقتصاديا غير مرئي لكنه حيوي في الحياة اليومية للمغاربة.
فمشهد الأسواق العشوائية والباعة المنتشرين على الأرصفة لم يعد مجرد ظاهرة اجتماعية، بل أصبح معطى اقتصاديا مؤثرا يستوجب تفكيرا عميقا وسياسات مبتكرة تنصف هذه الفئة وتعيد ترتيب العلاقة بين الاقتصاد المهيكل ونظيره غير المهيكل في المغرب.
وفي الآونة الأخيرة، عاد موضوع إدماج الباعة المتجولين إلى واجهة النقاش العمومي، في ظل الجهود الحكومية الرامية إلى تنظيم القطاع غير المهيكل، وتحويله إلى رافعة تنموية تساهم في العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
اقتصاد الظل الذي يغذي المدن
وفي هذا السياق يؤكد عدد من الخبراء أن الباعة المتجولين يشكلون جزءا لا يستهان به من الاقتصاد المغربي، إذ يساهمون في تلبية حاجيات الأسر ذات الدخل المحدود، ويخلقون فرص شغل غير مباشرة في سلسلة التوريد والتوزيع المحلي، غير أن غياب إطار قانوني واضح يبقي هذه الفئة خارج التغطية الاجتماعية والضريبية، ما يحد من مساهمتها في الدورة الاقتصادية الرسمية.
وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد غير المهيكل يمثل نسبة مهمة من الناتج الداخلي الخام، وهو ما يجعل إدماج الباعة المتجولين ضرورة وطنية أكثر من كونه خيارا سياسيا ظرفيا.
الإطار القانوني
وفي اتصال مع موقع "اقتصادكم"، قال عبد الرزاق الهيري، مدير المختبر المتعدد التخصصات في الاقتصاد والمالية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إن “الباعة المتجولين يمثلون جزءا رئيسيا من الاقتصاد غير المهيكل، ويؤدون دورا محوريا في تلبية حاجيات الأسر وخلق فرص الشغل، مما يساعد على تحسين الدخل وإعالة عدد كبير من العائلات".
وأضاف الهيري أن “المشكل الأساسي يكمن في غياب إطار قانوني وتنظيمي يضمن الحماية الاجتماعية لهذه الفئة، إلى جانب كونهم يشكلون منافسة غير متكافئة مع الفاعلين في الاقتصاد المهيكل، ما يستدعي إدماجهم تدريجيا في السوق الرسمية عبر سياسات واقعية ومنصفة".
سياسات إدماج عادلة وبنى تحتية ملائمة
ويرى الهيري أن تحقيق هذا الإدماج يتطلب اعترافا قانونيا صريحا بالباعة المتجولين، وتطوير بنية اقتصادية واجتماعية موجهة إليهم، تشمل التغطية الصحية والاجتماعية والجبائية، كما دعا إلى خلق أسواق نموذجية مهيأة تتيح لهؤلاء ممارسة أنشطتهم في ظروف تضمن الكرامة والسلامة، مستشهدا بتجارب دولية أنشأت فضاءات بيع مؤقتة ومنظمة داخل المدن.
وحذر الخبير من تكرار تجارب فاشلة سابقة، حيث أن العديد من الأسواق النموذجية التي أُقيمت في بعض المدن لم تنجح بسبب سوء التخطيط وغياب شروط الجاذبية الاقتصادية.