ثورة الذكاء الاصطناعي في المغرب: فرص وتحديات هيكلية

آخر الأخبار - 14-01-2025

ثورة الذكاء الاصطناعي في المغرب: فرص وتحديات هيكلية

اقتصادكم

 

يمثل الذكاء الاصطناعي قضية استراتيجية للمغرب، حيث تتداخل الطموحات مع التحديات، وتسعى المملكة إلى أن تصبح رائدة إقليمياً في هذا المجال، من خلال خوض سباق تكنولوجي حاسم، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح فيه عنصرًا محوريًا في تنمية المملكة.

 توفر هذه التكنولوجيا، التي تحدث تحولات كبيرة في العديد من القطاعات على مستوى العالم، فرصًا غير مسبوقة لتحويل الاقتصاد، وتحسين الخدمات العامة، وتقليص الفوارق الاجتماعية. رغم ذلك، فإن الجهود المبذولة حتى الآن تكافح لتحقيق نتائج ملموسة، بسبب التحديات الهيكلية التي تعيق بناء بيئة مناسبة للذكاء الاصطناعي.

وفقًا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE)، فإن حوالي 33% من المغاربة يدركون وجود الذكاء الاصطناعي، في حين أن 25% قد استخدموا بالفعل أدوات تعتمد على هذه التكنولوجيا. عالميًا، يشير التأثير الاقتصادي المتوقع للذكاء الاصطناعي إلى زيادة بنسبة 14% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول 2030، أي ما يعادل 15.7 تريليون دولار. هذه الأرقام تبرز أهمية هذه التكنولوجيا للمغرب، خصوصًا في القطاعات الرئيسية مثل الفلاحة والصحة والتعليم. ومع ذلك، يواجه المغرب عقبات كبيرة في تطوير الذكاء الاصطناعي، أبرزها غياب إطار تشريعي ملائم.

على الرغم من وجود قوانين لحماية المعطيات والأمن السيبراني، إلا أنها لا تلبي الاحتياجات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، خصوصًا فيما يتعلق بتنظيم البيانات الناتجة عن الخوارزميات والقضايا الأخلاقية المرتبطة بها. كما أن إصدار البيانات العامة، وهو عنصر أساسي لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، لا يزال محدودًا. رغم سريان القانون 31-13 المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومات، تظل المعطيات المتاحة نادرة وغير مكتملة، مما يعيق الابتكار الوطني كما أن التمويل يمثل تحديًا آخر.

على الرغم من أن الشركات الناشئة المغربية في مجال الذكاء الاصطناعي تظهر إمكانيات واعدة، إلا أنها تواجه صعوبة في الحصول على التمويل اللازم. نقص السياسات العامة المخصصة، مثل الإعانات أو الحوافز الضريبية، يحد من نمو هذه الشركات، التي تعد حيوية للابتكار التكنولوجي، بالإضافة إلى أنه هناك فجوة واضحة في المهارات، حيث يسلط تقريرالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الضوء على نقص المدربين المؤهلين وعجز العرض التعليمي، مما يبطئ بناء قاعدة من المواهب المحلية اللازمة لإنشاء بيئة تنافسية.

إضافة إلى التحديات الداخلية، يسعى المغرب إلى ترسيخ مكانته على الساحة الدولية. وفقًا لمؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي لعام 2024، يحتل المغرب المرتبة 101 من بين 188 دولة. يعتمد هذا التقييم على ثلاثة محاور رئيسية: الحوكمة، التكنولوجيا، والبيانات والبنية التحتية. ورغم أن المغرب يظهر بعض القوة في مجالي البيانات والبنية التحتية (53.82 نقطة)، فإنه لا يزال ضعيفًا في الحوكمة (34.82 نقطة) والتكنولوجيا (36.70 نقطة)، مما يعكس نقصًا في الأطر المؤسسية القوية والاستثمارات التكنولوجية.

ورغم هذه التحديات، لا يزال المغرب يسعى جاهداً لتحقيق تقدّم في هذا المجال، من خلال مبادرات مثل مركز "حركة الذكاء الاصطناعي" في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، وبرنامج "الخوارزمي" لدعم المشاريع، التي تعكس التزامًا واضحًا بتطوير الخبرات الوطنية، وتهدف هذه المشاريع إلى دمج الذكاء الاصطناعي ضمن أولويات الدولة الاستراتيجية وتعزيز الابتكار والبحث. على الساحة الدولية، يتبنى المغرب بشكل كامل توصيات اليونسكو بشأن الذكاء الاصطناعي الأخلاقي، ويشارك بنشاط في أحداث كبرى مثل معرض جيتكس أفريقيا والمنتدى رفيع المستوى حول الذكاء الاصطناعي.

تُظهر هذه المبادرات التقدم الذي يحرزه المغرب في مجال التكنولوجيا. وفي إطار خارطة الطريق للمستقبل، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي استراتيجية وطنية طموحة، تتضمن عددًا من التوصيات:

- تعديل القانون 09-08 ليشمل خصوصيات البيانات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي.
- إنشاء صندوق عام-خاص مخصص للابتكار التكنولوجي، يتضمن منحًا وصناديق أولية لدعم الشركات الناشئة.
- تسريع عملية إصدار البيانات العامة لجعلها متاحة للاستخدام من قبل الفاعلين الاقتصاديين والتكنولوجيين.
- تعزيز البرامج التعليمية لتدريب المواهب المحلية القادرة على تلبية احتياجات السوق.

كما أوصى المجلس بتوجيه الجهود نحو القطاعات ذات الأولوية مثل التعليم، الصحة، والفلاحة، حيث يشكل الذكاء الاصطناعي فرصة فريدة للمغرب ليكون رائدًا تكنولوجيًا في إفريقيا والعالم.

ومن خلال استراتيجية واضحة واستثمارات منسقة وإجراءات سريعة، لا تستطيع المملكة اللحاق بالركب فحسب، بل يمكنها أيضًا أن تصبح لاعبًا رئيسيًا في هذه الثورة الرقمية. ولتحقيق النجاح، سيتعين على المغرب التغلب على التحديات الهيكلية التي تعيق نظامه البيئي. وإذا تحققت هذه الطموحات، فلن يكون الذكاء الاصطناعي محركا للنمو فحسب، بل ركيزة أساسية لبناء مغرب الغد.