اقتصادكم
كان علي يستطيع تحصيل المال بسهولة مدهشة، في سن العاشرة، كان قد اكتشف وسيلة مضمونة للحصول على المال، لكي لا يعود إلى منزلهم بأيد فارغة، كما يقال، باكرا جدا كان عليه أن يتدبر أمره في توفير المال، لكي يحظى بتقدير والديه.
كرتونة فتحت له أبواب مباركة الأهل المنشودة، يعني أمه التي يجب إرضاؤها، لا بالعمل في مرآب اللحام من طرف أخويه أو في مصانع التعليب حيث يعملان كالبهائم من أجل بعض القطع البائسة، حيث قضى أخوه الأصغر شهرين يتألم جراء الحروق التي أصابت عينيه ، امه اكتفت بإلصاق قطع البطاطس على عينيه المحتقنين بالدم و وهي تدعوه للعودة للعمل في اليوم الموالي، لأن حروق عينيه الطفيفة لم تكن شيئا مقارنة بما يتحمله الرجال من متاعب لأجل العيش. الأخ الأصغر يخرج صباحا باكرا بعيون تكاد تنضح بالدم، الخامسة صباحا قبل آذان صلاة الفجر، مما جعله يكره المؤذن، لأنه كما كان يقول، أن هذا البائس الصباحي يدعو الناس للصلاة ولشراء ضمائرهم بعد سنوات من الذنوب الكبيرة، حيث بالنسبة له ما من مكان يذهبون إليه لتجديد نظرتهم للعالم. صحيح أن علي كان أصغر إخوته لكنه كان عبقريا بالمقارنة، إذ أنه كان يرفض تحمل نفس العبء على حساب صحته لأجل جلب بعض ما يسد الرمق للمنزل.
كان علينا إذن جمع بعض المال، وجدنا الحل في كرتونة نسرقها من محل البقالة بالحي، لأحد "الشلوح " بمؤخرة كبيرة، يقال عنه شاذ. الحقيقة لا نعلم، لا أحد منا تحقق من الأمر، لكن الخلفية الكبيرة للبقال الشلح كانت بارزة بدرجة ملحوظة للعيان. حتى أن الرجال حين كانوا يرمقونه يبتلعون ريقهم، وهم يضعون أيديهم على أعضائهم، كما لو كانوا يرمون إلى تهدئة الوضع الناتئ بعلاج شرجي يكون أكثر تناسقا بالخلف بالمتجر. وهو المكان الذي قصدناه أنا وعلي لسرقة الكرتونة السابقة الذكر. وقطعناها نصفين لكي نستفيد منها بشكل مضاعف.
كان هناك أولا سباق الصراصير، حيث مبدأ اللعب كان الأكثر شيوعا في العالم، كان يضع الكرتونة على الأرض في مكان هادئ، بعيد طبعا عن عيون أمه، أو عن الواشين الذين ينقلون لها تحركاته. كان يقوم بتسطير ممرات السباق فوق الكرتونة بواسطة أحجار صغيرة يصففها في شكل مستقيم عبر طرفي الكرتونة. بعد مراهنة خمس أو ستة مقامرين، يخرج صراصيره من علب الثقاب حيث كان يحتجزها وهكذا يطلقها تحت تشجيعات المقامرين.
كان يحصل على خمسون في المائة من المراهنات. كانت عملية احتيال كبيرة في حال ما تمكن الأطفال من القيام بنفس الحيلة في بيوتهم أو فيما بينهم، لكنهم لم يكونوا موهوبين في التعامل مع الصراصير. بحيث لا يطيعونهم، كما أن ضعف المخيلة كان صارخا في تلك الناحية. لا أمل فيهم، أغبياء أو مشاغبون، منطفئون أو نيران حامية مستعدة لالتهام كل شيء عبر ثقوب الغضب، في سن مبكرة أيضا لا نستطيع الاعتماد على أطفال في سن العاشرة ممن يحلمون بالحرائق وبالجريمة المنظمة، بالقتل المتسلسل وبإمبراطوريات الكحول، النبيذ الأحمر أو السجائر المهربة.
من جملة ما أذكره عن طفولتي، لم يكن هناك طفل في المجموعة قادر على تمضية يوم واحد دون تحريض وإثارة المشاكل في الحي. المدرسة كانت الملجأ الوحيد لتفادي غضب الأهل. كما كان الشارع المكان الملائم لتبرعم الرغبات الشريرة، يتحدثون عن الضرب المبرح، عن التخطيط للسرقات وعن النكات القبيحة التي تستهدف امرأة عجوز أو رجل مقعد في الحي.
يشعلون الحرائق، السرقات، أعمال الشغب والتخريب في الحي...لا شيء طيب ينتج عن هذا المكان المفقود، كما لا أمل يلوح في الأفق. وبالفعل لم يخطئوا الطريق. نصف أطفال الحي كانوا قد انخرطوا في عالم الجريمة، لم ينجح أحد في عمل صالح، كما لم يكن بالإمكان إصلاحهم، لا أحد بينهم يرى الخير في نفسه أو يرى فيه الآخرون ما يدل على الهداية، يقضون الأيام والليالي تحت تأثير المخدرات بدرجة عالية. مجرمون في حالة فرار، رؤساء خلايا إرهاب مرميون في الحبس أو ماتوا وتم دفنهم، بعد محاولة للهرب، بعد قفز مميت من سطوح المنازل بعد سرقة الملابس أو بعد تصفية حسابات بشكل استعراضي حيث يقوم القاتل بتحذير الجميع وإعلان الخبر بأن ذلك المساء سيكون شاهدا على موت فلان وهو ما يحدث دائما.
يتبع...