المغرب يراهن على سلاسل القيمة الخضراء.. هل يصبح قطبا عالميا للطاقة النظيفة؟

ملفات خاصة - 16-06-2025

المغرب يراهن على سلاسل القيمة الخضراء.. هل يصبح قطبا عالميا للطاقة النظيفة؟

اقتصادكم - حنان الزيتوني

 

يشهد العالم في السنوات الأخيرة تحولات هيكلية في اتجاه الاقتصاد الأخضر، القائم على مبادئ الاستدامة، النجاعة الطاقية، وخفض الانبعاثات، وضمن هذا السياق العالمي، تبرز أهمية سلاسل القيمة الخضراء كرافعة رئيسية لهذا النموذج الجديد، حيث تنتج السلع والخدمات باعتماد الطاقات المتجددة، والتكنولوجيات النظيفة، والتدبير البيئي الرشيد.

ويتحرك المغرب، بفضل موقعه الجغرافي عند تقاطع القارات، وإمكاناته الطبيعية، ورؤيته السياسية، بخطى ثابتة ليصبح فاعلا محوريا ضمن هذه السلاسل، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي.

مؤهلات طبيعية استراتيجية

وفي هذا السياق، يرى مصطفى بنرامل، الخبير البيئي، أن المغرب "يملك مؤهلات هامة تؤهله للتموقع ضمن سلاسل القيمة الخضراء، لكنه بحاجة إلى تسريع وتيرة الانتقال الأخضر عبر الاستثمار في التعليم والتكوين البيئي، وتطوير سلاسل الإنتاج المحلية، وتحفيز الابتكار في مجال التكنولوجيا النظيفة، حتى لا يبقى فقط مستوردا للحلول، بل فاعلا في إنتاجها وتصديرها".

يؤكد بن رامل أن "النجاح في هذا المجال مرهون بتعزيز الشراكات الاستراتيجية، وملاءمة الإطار القانوني، وتكامل السياسات القطاعية تحت مظلة الاستدامة".

وأوضح الخبير في اتصال مع موقع "اقتصادكم" أن المغرب يمتلك موارد طبيعية مهمة، تؤهله للريادة في الطاقة المتجددة، خصوصا الشمسية والريحية، وأبرز أن مشروع "نور ورزازات" العملاق يعد رمزا لهذا التوجه، إلى جانب قدرة المغرب على الاستفادة من أكثر من 3000 ساعة شمسية سنويا، وسواحله الطويلة التي توفر ظروفا مثالية لطاقة الرياح.

كما يسعى المغرب يضيف بنرامل، إلى أن يكون مركزا إفريقيا للهيدروجين الأخضر، وهي خطوة ستمنحه ميزة تنافسية في سوق الطاقة النظيفة العالمي.

البنية التحتية اللوجستية

ومن جهة أخرى، يعزز الموقع الجغرافي المغربي عند مفترق طرق التجارة الدولية من قدرته على التكامل مع سلاسل التوريد الخضراء، خاصة عبر ميناء طنجة المتوسط، الذي يشكل منصة تصدير استراتيجية نحو أوروبا وإفريقيا.

والبنية التحتية المتطورة، خصوصا في الموانئ والمناطق الصناعية الخضراء، تسهل انخراط المغرب في الصناعات البيئية المتقدمة، مثل تصنيع مكونات الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح.

استراتيجيات طموحة

جدير بالذكر أن المغرب أطلق عدة استراتيجيات وطنية، أبرزها الاستراتيجية الطاقية 2030، التي تهدف إلى رفع حصة الطاقات المتجددة إلى 52% من القدرة الكهربائية. كما تشمل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة ومخطط الهيدروجين الأخضر.

وتنخرط هذه السياسات في توجه شامل نحو الاقتصاد الأخضر، مدعومة بإصلاحات قانونية ومؤسساتية تسعى لتحفيز الاستثمار في المجالات البيئية والابتكار المستدام.

صناعة خضراء صاعدة

ومن جهة أخرى كشف الخبير البيئي، أن المغرب يسعى إلى تعزيز تموقعه في سلاسل القيمة الخضراء العالمية من خلال تطوير صناعات بيئية ناشئة، أبرزها: تصنيع أجزاء ألواح الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح؛ إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره نحو أوروبا؛ تطوير وسائل النقل الكهربائي وتوسيع استخدامها داخليا. القرب الجغرافي من أوروبا التي تفرض معايير بيئية صارمة يعزز من قدرة المغرب على أن يكون شريكا مفضلا في الأسواق الخضراء العالمية.

ورغم هذا التقدم، أوضح مصطفى بنرامل أن المغرب يواجه تحديات حقيقية، أبرزها: نقص التمويل المستدام للمشاريع البيئية؛ الحاجة إلى تطوير المهارات في مهن الاقتصاد الأخضر؛ محدودية نقل التكنولوجيا من الشركاء الدوليين، غير أن هذه التحديات تمثل، في الوقت ذاته، فرصا واعدة، خاصة مع تزايد الاهتمام الدولي بإفريقيا كمصدر للطاقة النظيفة ومركز صناعي بديل لآسيا نقص الكفاءات المتخصصة في التكنولوجيا النظيفة، الحاجة إلى بيئة تنظيمية أكثر تشجيعا للابتكار الأخضر، وكذلك ضعف التنسيق بين الفاعلين العموميين والخواص في مجال الاقتصاد الأخضر.

ويشهد موقع المغرب في سلاسل القيمة الخضراء ترسخا تدريجيا، مدعوما بإمكانات طبيعية متميزة، واستراتيجيات وطنية واضحة، ورغبة حقيقية في التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون. لكن تعزيز هذا التموقع يتطلب تسريع وتيرة التكوين في المهن الخضراء، تكثيف الشراكات الدولية، وتوفير أدوات تمويل مبتكرة لمشاريع الاستدامة.