علي كان جزءا من هذه الكوكبة الشيطانية، عندما كان في سن السابعة، كان عليه أن يشتغل بالسخرة في أحد المقاهي حيث تعرض لكل أنواع المعاملة السيئة. شتائم لم تحرك به ساكنا. وحين يبصقون في وجهه، يذيل ذلك بجملة سحرية كان يرددها في الصف في اليوم الموالي حينما يتلقى شتيمة من أحد الصبيان " لا، لست ابن العاهرة، أنا لقيط من الله، يجب أن تعرف مع من تتحدث يا أخي" كان يقول ذلك بنظرة هادئة كمن يمنحك الغفران. البعض يقرصون ردفيه، وآخرون يلصقون شفاهم المزرقة بسبب القهوة والتبغ الأسود على خدوده الطرية.
لا زالت حسنية على قيد الحياة في نفس السرداب الذي تستخدمه كغرفة لاستقبال المئات من الأشخاص كل يوم مقابل عشرة دراهم للجلسة، القليل من السكر والكثير من الشاي والقهوة.هي ليست الوحيدة في الحي لقراءة الطالع.
أكبر هواية كانت لدي أن أمارس الحب مع مخلوقة جميلة وأنا أتلو أبياتا شعرية لويليام بلاك، لا تسألوني لماذا بلاك وليس وايتمن أو هولدرلين، لا أعرف.
الصغيرة أتت من حي من الأحياء الفقيرة بضواحي المدينة، لكنها كانت تملك ماءا مباركا للغفران ونظرات ثاقبة لأولئك الذين اعتادوا ري عطش الموتى.
باب الحجرة الرمادي، حيث أشرف أخي وأمي وعمتي على غسل الميت، تلاشى كما بالسحر. لا أرى الجدران ولا الأثاث، لا شيء غير الضوء القوي المهيب يملأ الغرفة، سحابة من الروائح والعطور والعبق الأثيري وجثمان والدي في الوسط.
هل أنا ألوم أمي؟ يا للسؤال؟ طبعا لا، ثم إن هذه الأخلاقيات اللعينة لا شأن لها هنا، حتى أنني لا أستطيع القول بأنني سامحت لأن ما كانت تفرضه علي كعقاب، كان جزءا من دورها كأم، وهو ما لم أكن لأفهمه بشكل مباشر، بالنسبة لي كان من الطبيعي أن تضرب أم ابنها، طالما كل الأمهات يفعلن ذلك لماذا لا تفعله هي؟ لم أكن لأفهم ما يحل بي وأنا صغير، لكني سرعان ما تعلمت التحمل وأنا أحمل على عاتقي تعاسة الآخرين.
في الليل، كثيرا ما تلفني عتمة الماضي. أتذكر صوت ذلك الطفل الذي كنته، هائما في شوارع مظلمة يكسوها الخوف المحموم، بملامح مشدودة كملامح رجل عجوز، وأحشاء منكمشة من الجوع، والغضب والخوف.
في هذه الأثناء بالحي وفي سن العاشرة، كنت بالفعل أكبر فتى. حتى المراهقين الذين يكبرونني بست سنوات كانوا يستشيرونني بشأن حكاياتهم أو مشاكساتهم في حي آخر أو مشكلة ما في الثانوية أوعن حب جديد.
الحفرة المقصودة كانت ب13، بلوك6، ثم ب229، وفي وزمن قصير انتقلنا إلى119.هنا، يجب التوقف لحظة على هندسة هذه الفضاءات المخصصة لحياة سيئة الإقامة. لم نعرف أبدا لما كل هذه المنعطفات، وتغيير العناوين، لابد وأنه يخفي الكثير من الخدع. باختصار، الرقم المقصود كان ليكون ميمونا لو أننا راهنا عليه في اليانصيبᴉ كنت لأراهن بكل شيء لأجل تغيير العنوان، لكن من حقي أن أحلمᴉ تم رمي النرد وربحت جميع الرهانات مسبقا.
بلوك الكدية لم يكن ذخيرة من الوجوه الراسخة فحسب والتي سوف أعيدها للحياة يوما متفجرة بين غضب وحب، بين رعب وغموض. كان أيضا مكان الآلام الأولى وأولى أشجان الحب.